الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

معركة الساعات الخمسين

عبد الكريم النّاعم

نقول “معركة” لأنّها سلسلة في “حرب” متواصلة ضدّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين وللأراضي العربيّة المجاورة، منذ عام 1948 حتى الآن، وستتكرّر هذه المعارك حتى تستطيع هذه الأمّة دحر المشروع الصهيوني، وهو زمن لا شكّ آتٍ.

توقّفَ إطلاق النار في المعركة المذكورة آنفاً، والذي دام خمساً وخمسين ساعة.. توقف عشاء يوم السابع من آب لعام 2022، ولكي لا تستجرّنا المياه بعيداً نتوقّف عند النقاط التالية:

– بدأ العدوّ الإسرائيليّ عدوانه على قطاع غزّة، زاعماً أنّه يستهدف حركة الجهاد الإسلاميّ، وفي هذا الادّعاء ما فيه من محاولة خبيثة لدقّ إسفين بين “الجهاد” وبقيّة فصائل المقاومة الموجودة في غزّة، وبحسب المجريات والتصريحات فقد فشل الصهاينة في ذلك، وعسى أن يظلّ التّلاحم المنشود هدفاً أساسياً لكلّ القوى المقاتلة في القطاع.

– العدوان المشار إليه، مثلُه مثل ما سبقه من اعتداءات بدعم أمريكي غير محدود، وبصمت من العواصم العربيّة التي وضعت كلّ أوراقها في السلّة الصهيونيّة الأمريكية.

– سلطة “أوسلو” في الضفّة أصدرت تصريحاً مخجلاً جاء فيه: “إنّ العدوّ تجاوز الخطوط الحمر!!”.

تُرى متى لم يتجاوز هذا العدو الخطوط الحمر؟!! وهل هذا يكفي ولو لتبرئة الذمّة التي لا تُبرَّأ؟!

– لا شكّ أنّ ما جرى في هذه المعركة يُراكم حقيقة قدرة المقاومة على الردّ، فقد بقي طوال المعركة أكثر من مليون صهيوني ملازمين بيوتهم، أو الملاجئ، كما وصلت صواريخ الجهاد إلى أطراف تل أبيب، وهذا يعني أنّ الزمن الذي كان فيه جيش الصهاينة يضرب ساعة يشاء، ويحقّق كامل أهدافه، ويعود منتصراً في كلّ مرّة، هذا الزمن قد انتهى منذ معركة جنوب لبنان عام 2006.

– مؤلم حدّ القهر ذلك الدّمار الذي خلّفه الطيران الحربي الصهيوني، فبعض التجمّعات لم يعد صالحاً للسكن، وبعضه تضرّر بنسبة تقرب من التدمير الكلّي، وثمّة بعض يمكن ترميمه، وهذا يعني أن يسكن الآلاف من أبناء القطاع في الخيام، وليس الإعمار سهلاً في ظلّ ذلك الحصار الخانق المفروض على القطاع، وكم نتمنّى لو كانت المقاومة قادرة على إنزال مثل هذا التدمير في صفوف المحتلّين الصهاينة ليذوقوا بعض ما يعانيه أهلنا هناك.

– لا أريد أن أشكّك في صمت “حماس” وامتناعها عن المشاركة، حتى لا ننزلق إلى عمليّة دقّ الإسفين التي يتمنّاها الصهاينة، فربّما كان ذلك بتنسيق بين “الجهاد” و”حماس”، ولكنّني شخصياً، كآخرين كثيرين في طول أرض هذا الوطن وعرضه، لا نثق بكلّ ما له علاقة بتنظيم “الإخوان المسلمين”، فلقد عانينا من أذى هذا التنظيم، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، ما يجعل الجسور منسوفة، وفي أكثر من قطر عربيّ، من سوريّة، قديماً وحديثاً، إلى الجزائر وعشريّة النّار التي أحرقتْ ما أحرقت، وخلّفت ما خلّفت، إلى ما حلّ بليبيا، والتي لم تستطع الوقوف على قدمين ثابتتين بعد، إلى مصر، وهذا وحده يحتاج إلى وقفة مطوّلة، بدءاً من تقديم أوراق اعتماد “مرسي” في برقيّته الشهيرة إلى كيان الصهاينة، إلى الدّور المفضوح الذي لعبوه في اليمن،.. هذا كلّه، وفيه الكثير من المساحات القابلة للإضافة، تجعلنا، في أحسن الأحوال نقف بحذر من كلّ ما له علاقة بذلك التنظيم.

-لقد كانت معركة الساعات الخمسين معركة مشرّفة بكلّ المقاييس، لعلّ أهمّ ما فيها أنّ فصيلاً واحداً في الأرض المحتلّة ألجأ تل أبيب، بالتواصل مع واشنطن، إلى أن يجعلوا من مصر وسيطاً!! من أجل وقف إطلاق النّار.

aaalnaem@gmail.com