ضجيج صاخب تتردد فيه كلمة التراث!!
محمد خالد الخضر
عندما يستمع المثقفون أو أشباه المثقفين إلى ضجيج صاخب تتردد فيه كلمة التراث يخيل إلى المسامع والأذهان أن ما يدور هو قمة الحفاظ على الانتماء الذي يعتبر من أهم المقومات التي تكون الإنسان المتمسك بجذره ووطنه وترابه، وكثيرا ما يحسب القائمون على إحياء التراثي أنهم يؤدون ما يطلب منهم. ولكن في الواقع لم ألمس منذ أن بدأت الحرب إلى يومنا هذا تفعيلاً يفسر هذه الكلمة بشكل صحيح، وما أسمعه وألمسه هو أن تغطيه وسائل التواصل الاجتماعي وأغلب الإعلام تخدم في الواقع من يعمل على تزييف التراث وفصله عن تاريخه وجذوره خدمة لمن يعمل على إلغاء تراثنا وتاريخنا العربي والحضاري العريق.
وأتمنى أن يقدم لي أي مثقف أو قارئ أو مستمع أو إعلامي أو غير ذلك دليلاً على أن هناك شيئا أقيم أو كتب عنه في الآونة الأخيرة يتجاوز في معانيه أو في بعضها الثقافة أو الفن أو الزي الشعبي. ولا يمكن للتجمعات الحديثة ولا للمنظمات العالمية أن تحدد كيف يكون تراثنا، ومتى وجد هذا التراث، فالموشحات الأندلسية على سبيل المثال هي بدايات ضعف الشعر العربي وتراجعه فمن المفترض أن يكون التراث الأفضل.
وما قاله الشاب الظريف لأبيه وما قاله ابن زيدون لولادة أهم وأفضل بكثير مما قيل من موشحات، ولا ترتفع القيمة الكلامية لها إذا اقترنت بغناء أو بتحريك جسد، ثم بدأت المعارك تهاجم التراث بعد الانهيارات الأولى بكل ما تمتلك من قوة إلى حد قال فيه ادونيس أنه لا يمكن للابن أن يتطور إلا اذا قتل أباه، ويقصد في كتابه “الثابت والمتحول” إلغاء التراث العربي من أصله بحجة الحداثة والتطوير والتي من المفترض أن تكون بدأت هذه الحداثة وفق ما جاء في الكتب الشرقية والغربية متزامنة مع الاحتلال الذي توزع على الوطن العربي، فما نتناوله الآن يتزامن مع دخول الاحتلال العثماني والفرنسي ونسميه تراثاً، أما ما ورد في الأجناس والأشكال الأخرى نسميه حداثة، ونحن من المفترض أن ندرك ما هو الفرق بين التراث والحداثة فالتراث يجب أن يكون قبل عصور الاحتلال لأن الاحتلال غير البنية الثقافية والأخلاقية لما خشي منه من مقومات الانتماء وسماها تراثا، وسمى ما يخدم مصلحته حداثة وكثيراً ما نستمع إلى أهازيج وأغنيات وتسميات مختلفة ويصفق لها معنيون أيضاً على أنها تراث، وفي الواقع هي التشويه الأقوى له فهل بمقدورنا أن نقارن بين قول عنترة العبسي:
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وبين: بحب سنونك يا حلوة متل السيف بالخلوة
وكيف للاحتلال العثماني والصهيوني وغيرهما من الدول الرامية إلى ذلك أن تقبل بقول الشاعر العربي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
تعالوا معا لنقرأ بيت عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وبين كل ما يقال الآن، والذي سيسمى بعد سنوات قليلة تراثا: تمسكوا بالتراث لأن الخسارة كبيرة إذا قتلتم آباءكم!!