دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة أسوأ منتهك لحرية الصحافة

هيفاء علي

ألحقت هجمات واشنطن على حرية الصحافة الضرر بكل بلد وكل شخص على وجه الأرض، حيث تستخدم الإدارات الأمريكية المتعاقبة العديد من الإستراتيجيات في محاولة لتبرير تدخلها في الشؤون الداخلية، وإنتهاك سيادة الدول الأجنبية. ومن بين هذه التكتيكات الخادعة توجيه واشنطن الإتهامات بأن خصومها ينتهكون حرية التعبير، وهذا الأمر مثير للسخرية بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي المنتهك الأول في العالم لحرية الصحافة.

وعلى عكس الدول التي تقول واشنطن إنه من المفترض أن تقمع حرية التعبير داخل حدودها، فإن رقابة الحكومة الأمريكية على وسائل الإعلام المستقلة، وقمع الأصوات البديلة عالمية، ولا تستثني أحد من شرها في جميع أنحاء الكوكب.،فقد بذلت إدارة العجوز بايدن جهوداً كبيرة لتقديم نفسها كمدافع عن الحريات المدنية. وفي السياق، أصدر البيت الأبيض في شهر آيار الفائت بياناً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث كان الغرض من البيان هو تصوير روسيا على أنها أحد المنتهكين الرئيسيين لحرية التعبير، وإظهار الولايات المتحدة على أنها حاميها النبيل، لكن الحقيقة هي أن واشنطن مذنبة بالاضطهاد المتسارع للصحفيين، حيث يهدد اضطهاد السلطات الأمريكية لـ جوليان أسانج حرية التعبير في كل مكان على وجه الأرض، ولا يوجد رمز أكثر بشاعة لنفاق أمريكا السخيف التي تصور نفسها على أنها حامية لحرية الصحافة، اذ يعد هذا الهجوم أسوأ ضربة لحرية التعبير من قبل أي حكومة في التاريخ.

ترقى قضية الولايات المتحدة ضد أسانج إلى حد تجريم الصحافة، وهي التي تسعى إلى تسليم ومحاكمة أسانج، المواطن الأسترالي الذي لم يسبق له أن عاش في الولايات المتحدة، بسبب “جريمة” نشر معلومات صادقة تكشف جرائم الحرب الأمريكية، حيث يواجه أسانج ما يصل إلى 175 عاماً في السجن في 18 تهمة. و إذا نجحت الولايات المتحدة في عملية التسليم، فمن المرجح أن تلقي بمحرر “ويكيليكس” في زنزانة على غرار سجون القرون الوسطى، حيث سيُحتجز في الحبس الانفرادي لبقية حياته.

بسبب الاضطهاد من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، تم بالفعل سجن أسانج لمدة عقد من الزمان، وفي عام 2015 أقر فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أن أسانج كان “محتجزاً تعسفيًا” ويجب الإفراج عنه وتعويضه، إلا أن السلطات البريطانية تجاهلت الخبراء القانونيين من الأمم المتحدة. وزيادة على ذلك، في عام 2019، انتهكت السلطات البريطانية وحدة أراضي الإكوادور، واقتحمت السفارة واختطفت أسانج الذي كان في ذلك الوقت مواطناً إكوادورياً متجنساً، بالإضافة إلى جنسيته الأسترالية. وبالتالي، منذ عام 2019، تعرض أسانج لمعاملة قاسية في سجن “بلمارش” شديد الحراسة في بريطانيا.

لاحقاً، أدانت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي، الاعتقال الذي نفذته السلطات البريطانية في عام 2019، واعتبرته انتهاكهاً للحقوق والحريات الأساسية للصحفي الأسترالي. وقالت: “في بلمارش تم سجن جوليان أسانج فعلياً لمدة عقد من الزمان، وتعرض للتعذيب القاسي، ومن المرجح أن يقضي بقية حياته في سجن أمريكي، كل ذلك لأنه ارتكب جريمة العمل الصحفي النزيه، وكأن الولايات المتحدة تقول إنها تستطيع سجن أي صحفي أو أي شخص على وجه الأرض، بغض النظر عن جنسيته، وإلقائه في زنزانة لبقية حياتهم وتعذيبهم”.

حقيقة، ليس أسانج الضحية الوحيدة لهذا النوع من الاضطهاد من قبل النظام الأمريكي، حيث تحتجز الولايات المتحدة العشرات من السجناء السياسيين، بمن فيهم الصحفية الثورية موميا أبو جمال. حتى أثناء فرض الرقابة على الصحفيين المستقلين في الداخل، تمول حكومة الولايات المتحدة ما يسمى “بالصحفيين المستقلين” في الخارج لزعزعة استقرار الخصوم الأجانب، بينما تضطهد الولايات المتحدة الصحفيين الذين يفضحون جرائمها، وتفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام المستقلة العاملة داخل حدودها، في حين قامت منظمات المخابرات المركزية الأمريكية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ،والصندوق الوطني للديمقراطية بضخ ملايين الدولارات لتمويل النشطاء الإعلاميين في البلدان التي تريد الولايات المتحدة تغيير نظام الحكم فيها.

وبحسب التعريف، فإن هؤلاء النشطاء الإعلاميين ليسوا “مستقلين” فهم يتلقون تمويلاً من حكومة الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها السياسية، وبالتالي هم في الأساس موظفون غير مباشرون في وزارة الخارجية الأمريكية، وأدوات القوة الناعمة لواشنطن، حيث ينشر هؤلاء النشطاء الإعلاميون باستمرار أخباراً كاذبة ومعلومات مضللة ودعاية، ولعبوا دوراً رئيسياً في محاولات الانقلاب العنيفة والاضطرابات في نيكاراغوا، وفنزويلا، وبوليفيا، وهونغ كونغ، وسورية، وفي بيلاروسيا وخارجها.