في إدارة المؤسسات الثّقافية
نجوى صليبه
لا تعدّ المناصب في المجال الثّقافي مناصب مهمّة أو “فيها طمعة”، أو ربّما هي كذلك، ولم يُغْرِنا البحث في الأمور المادّية للمؤسّسات الثّقافية “ميزانياتها ومدخولاتها ومصروفاتها”، إلّا فيما يخصّ تكلفة الكتاب وتكلفة طباعته والمبلغ الذي يتقاضاه صاحبه مكافأة على جهده الفكري..!.
أمّا جماهيرياً فهي ليست بالمناصب التي تُفتح عليها العيون إلّا في حال مصيبة أو كارثة أو خطأ أو حدث جلل أسوةً بالمؤسّسات الأخرى التي تُعنى بشؤون المواطن الاقتصادية والخدمية والمحلية، نتحدّث هنا بالعموم.. أمّا إن تحدّثنا بالخصوص فلن نجد شاكرين كثراً على أداء الموظّفين في هذه المناصب ولاسيّما إن كان لا علاقة لهم بالثّقافة لا من قريب ولا من بعيد، بل كانوا موظّفين إداريين في هذه المؤسّسة أو تلك، ما يهمّنا هو أنّ بعض الذين يستلمون مناصب في مؤسسات ثقافية – لا يمكن أن نقول عنها إلّا فاعلة ونشيطة – يعتقدون أنّهم بوصولهم إلى هذا الكرسي أصبحوا عالمين بكلّ شيء وغيرهم جاهلٌ بكلّ شيء، ولاسيّما لجهة كيفية تسير الأمور في هذه المؤسّسة أو غيرها، وكأنّه لم يكن لسنوات طويلة مشاركاً بنشاطاتها، سواء أكان متابعاً لها أو محاضراً أو حاضراً في صفوف الجمهور أو صحافياً قضى في أروقتها وقتاً لم يقضه بعض موظّفيها كمثقّف متابع وكمثقّف نشيط، وكمتابع فقط.. طبعاً لا نتحدّث هنا عن صحافيين انبطاحيين لا يختلفون عن أمثالهم من بعض الموظّفين في المؤسسات الثّقافية موضوع حديثنا، والذين لا يقبلون نقاشاً، وإن قبلوا فهم على صوابٍ دائم وهم على دراية أكثر بأسلوب العمل وقوانينه، مع العلم أنّ هؤلاء قبيل استلام مناصبهم لم يكونوا بالفاعلين في مؤسّساتهم الثّقافية أو حتّى ناشطين في هذا المجال، لكن شاءت الأقدار والحظوظ والـ “فيتامينات” أن يجلسوا على كرسي متحرّك أو يتحرّك قليلاً، وطاب لهم الجلوس، فثبّتوه بـ “ألتيكو” من النّوع الأصلي وجعلوه باتّجاه واحد، ومثله فعلوا بعقولهم، أو ربّما هكذا كانت عقولهم قبيل استلام الكرسي.. لا ندري، فصاروا لا يراعون ظروف الموظّفين الأقلّ منهم منصباً ولا ظروف المشاركين في نشاطات هذه المؤسسات سواء الشّخصية أو العامّة أو حتّى القائمين عليها من حيث صعوبة التّواصل وتحديد الأسماء أو تغييرها. وهنا لابدّ من التّنويه ببعض محاسن الظّروف الاقتصادية الحالية التي جعلت الجميع سواسية في الهمّ المعيشي والمواصلات وإنْ بدرجات متفاوتة، طبعاً لا نقصد هنا الأدباء أو الفنانين المغتربين الذين يزورون البلد “بين الحين والمين” ليلتقوا بأصدقائهم فيقيمون نشاطاً مارقاً أو رفع عتب أو نشاطاً جيّداً كلّ بضعة أعوام، ولا نقصد هنا أيضاً من هاجر تاجراً وعاد “شاعراً” بيده اليمنى ديوانه وبيده اليسرى ثمن المقالة التي ستُكتب عنه.
وبالعودة بتفكيرنا إلى المحور الأساسي، أي الإداريين في المؤسسات الثّقافية، نقول ومن باب إنساني بريء: لقد صرنا نخاف عليكم من تيبّس قد يخلع المفاصل وانقراس قد يدقّ العنق ومن كسل قد يضمر معه العقل وأنتم لا حول ولا قوّة مادّياً، وأغلب الظّنّ لن يتعاطف معكم –حينها- إلّا أولئك الذين عُرقلت نشاطاتهم لأجل أمور روتينية بسيطة بإمكانكم تجاوزها بقليل من التّفكير والسّلاسة بالتّعامل والتّواضع والتّعالي عن الصّغائر والخلافات الشّخصية التي تدفعكم إلى الامتناع عن حضور نشاط يشارك فيه “س” من المثقفين بعد أن قبلتم باسمه على مضض وعبّرتم عن سخطكم منه بالعلن!
نتحدّث دائماً عن الشّخص المناسب في المكان المناسب، أي أن تُدار المؤسسات الثّقافية من أهل الثّقافة أنفسهم، فهم الأكثر علماً باحتياجات الأسرة ومتطلباتها ومشكلاتها والأكثر قدرة على تفعيل دور كلّ فرد فيها والتّفاعل مع النّشاطات والحضور والمشاركين، سيأتي من يقول ليس كلّ مثقف قادراً على إدارة مؤسسة، ولن نعارضه القول لكن نحاججه بالقول: يبقى المثقف الجيّد أفضل من الموظّف غير الجيّد إدارياً أو ثقافياً، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على المكاتب الصّحفية الموجودة في هذه المؤسّسات، والتي كثيراً ما تحدّثنا عنها وعن ضرورة أن يكونوا من ذوي الاختصاص عوضاً من أن توكل هذه المهمّة لمن لا يستحقها ولمن لا يعرف الخبر من الخاطرة.
نقول قولنا هذا ونحن على علم بأنّ كثيراً من المثقفين لا يكترثون للمناصب بل يتهرّبون منها لأنّها بالنّسبة لهم ليست إلّا همّاً مضافاً ومسؤولية صعبة وفيها “وجع راس” وفي هذا حقّ عليهم أيضاً، إنّهم كقصيدة محمود درويش “لماذا تركت الحصان وحيداً”، لكن بالمقلب الآخر نعلم أنّ هناك من يتمنّى أن يدير مؤسّسة ثقافية ينفّذ خططه ومشاريعه التي لا تقلّ عن بلدان أخرى ولو كان متخوّفاً من بعض العصي الحاضرة سلفاً، لكنّه على استعداد أن يضع يده بيد أولئك المثقّفين المدراء الجيّدين الذين لا يعنيهم النّجاح الفردي فقط على أهميته خارج المؤسسات الثّقافية!