“وحدة الساحات” سبيل المقاومة الوحيد
رغد خضور
بعد الانتفاضتين الأولى والثانية، لم تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا التنسيق العالي بين فصائل المقاومة بهذا الشكل الواسع، وهو أمر كان لابد منه نتيجة المتغيرات الكثيرة التي طرأت على الصراع مع العدو الصهيوني.
في السابق، كانت العمليات الاستشهادية الفردية السمة الأبرز لمرحلة طويلة، وهذا شيء طبيعي في ظل مطاردات الاحتلال واعتقالاته للمقاومين فرادى، ولكن مع توالي المواجهات مع قوات الاحتلال، ازدادت الخبرة القتالية، وارتفع منسوب التنسيق بين فصائل المقاومة حتى أصبحت أكثر فعالية مجتمعة، وشيئاً فشيئاً طورت المقاومة أدواتها وبدأت بإنشاء صناعات محلية للوسائل القتالية والحربية، لتأتي أول عملية رد مباشرة على غارات الاحتلال على قطاع غزة، ولتتوالى بعدها العمليات العسكرية للمقاومة لتصل إلى الداخل الصهيوني، حيث شكّل عام 2014 علامة فارقة حين نجحت المقاومة في إطلاق صواريخ من داخل غزة أصابت أهدافاً في العمق الإسرائيلي.
في السنوات التي تلت الانتفاضة الثانية، كانت العمليات العسكرية للرد على انتهاكات الكيان المتكررة بحق الفلسطينيين، وغاراته على الأراضي المحتلة، تتم لدرء تلك الانتهاكات، ولكن خلال العقد الأخير غيّرت المقاومة من تكتيكاتها وفرضت معادلات التوازن من خلال ضرب مواقع الاحتلال مباشرة، وأصبحت الصواريخ الفلسطينية تتخطى القبة الحديدية التي يتغنى بها الكيان الغاصب، وتصل إلى تل أبيب، وغيرها من البلدات والمواقع الإسرائيلية الاستراتيجية، الأمر الذي شكّل حالة من القلق والاضطراب أصابت أجهزة الاحتلال وقادته بالعجز.
من الطبيعي أن إصرار أبناء فلسطين المحتلة على تطهير أرضهم دفعهم لتطوير أدوات عملياتهم ضد قوات الاحتلال، وهم بالفعل نجحوا من خلالها في ردع عدوانية الاحتلال، بحيث لم تعد المواجهات مقتصرة على جبهات محددة كغزة والضفة، بل إن العمليات الفلسطينية باتت تستهدف فلسطين المحتلة كلها، وانتقل الثقل الأمني لعمليات المقاومة إلى قطاعات أخرى كالداخل المحتل.
اليوم يمكن القول إن المقاومة باتت حالة فلسطينية عامة، خاصة بعد ربط ساحات العمل الفلسطينية كافة بعد سنوات من المحاولات الإسرائيلية لفصلها، واتسعت رقعة العمليات العسكرية للمقاومة، بحيث بات بمقدور المقاومة الفلسطينية مواجهة العدو بكافة الوسائل، وهو ما يجب التركيز عليه لرد الاعتبار لخيار المقاومة وثقافته في أذهان الكثيرين ممن تناسوا أو تغافلوا عنه، واتجهوا نحو خيارات أسهل بالنسبة لهم، لأنه في المقاومة وحدها يتحقق النصر، وتُكسر كل المعادلات على الأرض، والأهم أن الخيار المقاوم لابد أن يعيد إحياء القضية الفلسطينية، وإعادتها إلى العناوين الرئيسية من زاوية المقاومة، وليس كما يرغب الكيان المحتل.