الأرواح الهائمة
غالية خوجة
الأرواح تتجاذب أو تتنافر، تأتلف وتختلف، تتعاون وتتآزر، وضمن هذا المجال هي أرواح مزهرة بالمحبة والتوادد والجمال، لكن، ماذا لو تمر في حياتنا شخصيات سامّة ومسمومة، وشخصيات مسمومة وسامة؟!
يحدث أن لا تنكشف الأقنعة إلاّ بعد عمر طويل، طويل، مع هؤلاء الذين يجيدون ارتداء قناع وخلع قناع آخر على مرّ الثواني واللحظات والساعات والمواقف والأشخاص المحيطة، لدرجة أن هذه الشخصية المقنّعة أصبحت وأمست تجهل وجهها الحقيقي!
وأمثال هذه المخلوقات، الكائنات، الشخصيات، مريضة بأمراض معقّدة ومتناسلة، لذا لا بد من إبعادها عن مجال أرواحنا الشفيف، لأن العلاقات المسمومة، تبعاً لعلم النفس، تكون علاقات سامة بكل تأكيد، ونحن في زمن مسموم أصلاً، فكيف نضع المسافة بين أرواحنا وأمثال هذه السموم الحياتية؟ هل بالابتعاد نهائياً؟ أم بمحاولة مساعدة هذه الشخصيات على التطهّر من أدرانها الجوانية؟
ربما، من الأجدى، أن نحاور هذه الشخصيات بشفافية صريحة ووجهاً لوجه، لنقرأ ما بدواخلها في لحظة المكاشفة والمصارحة، لنتخذ القرار المناسب، لأن بعض هذه الشخصيات قابلة لتغيير سمومها، وسلبيتها، وتحتاج لمزيد من الوقت لتعي وترى الجانب الآخر من الحياة، فتقترب من الجانب المضيء من العلاقات، وتصبح أكثر إيجابية ومرونة مع ذاتها والآخرين، ولا بد من توافر القناعة الذاتية في هذه الشخصية ذاتها لاتخاذ قرار التغيير الإيجابي المناسب، وريثما تصل إلى هذه المرحلة نحتاج إلى تحييدها بإمهالها فترة بعد الإيضاح، لتتأمّل وتقارن وتتخذ الإجراء المناسب.
وهذه السموم الروحية تنتشر مثل السرطان في الأعماق، وتصبح طاقة سلبية على أصحابها ذاتهم، وتجعل طاقتهم سلبية تمتص كل طاقة إيجابية حولها وتظل نهمة جداً، وتعكس من جهة أخرى طاقتها السلبية على الآخرين فتصيبهم بالشر مثل الحسد والحقد والانتقام، بعدما تصيب ذاتها بالكآبة والملل والتعب والأمراض النفسية.
وغالباً، ما تكون هذه الشخصيات سامّة ومسمومة في الوقت نفسه، وتؤذي نفسها أيضاً، ومحيطها، من حيث تدري ولا تدري، ولذلك، لا بد من الشفافية في التعامل معها، ولا بد من توظيف الإيضاح التدريجي لحالتها لكي تستوعب، وتتفهم، ثم تتفاعل مع الحالة العكرة المصابة بها لتستيقظ من هذا المرض اللا مرئي إلاّ من خلال الملامح والإشارات والتعابير اللفظية والسلوكية.
وللخروج بظفر من هذه المعالم السالبة لا بد من الدخول في المعالم الموجبة من خلال القراءة حول هذه الموضوع من الشخصية صاحبة العلاقة، والتعامل معه بهدوء من أجل معالجته، مع ضرورة الانتماء إلى المجتمع المحيط، ومحاولة التفاهم الإيجابي بعيداً عن النزق والصراخ والصخب والصمت القاتل، وما شابه من تعابير.
وترجع قابلية التغيير إلى الشخصية ذاتها فيما إذا كانت إيجابية في تقبّل معالجتها لذاتها بذاتها، ومن هنا، تبدأ المؤشرات اللطيفة بالانتقال من الدرجة صفر إلى الأعلى تدريجياً، فتنجو هذه الشخصية في التخلص من شوائبها وسمومها و”تفلتر” أعماقها، لتعود إلى المستوى الطبيعي المتناغم مع الذات والآخرين والبيئة والعالم.
وبالمقابل، هناك شخصية تمتص سموم الآخرين دون أن تبادلها الإيذاء، بل، على العكس، قد تساهم في تحويل فكرها إلى جهة الأمل والشروق والمحبة.
لنكن من الهائمين مع الأشعة، الناثرين للجمال، الزارعين للمحبة، العارفين بالإنسان، وهذا بحدّ ذاته جمال آخر يضاف إلى جمالنا الإنساني.