ثقافةصحيفة البعث

رنا مجارسه.. رحالة حالمة بين الريشة والقلم

جمان بركات 

تتعدّد شخصيتها في كلّ نصّ تكتبه للأطفال، فتصبح بطلة لقصصها، وأمام لوحاتها تكون لوناً ترسم ظلالها، وبين أوراقها تطلق حروفها لترسم قصيدة نثرية، وفي مهنتها كمعلمة تكون تلك المربية الفاضلة.. رنا إبراهيم مجارسه عاشقة للحرف والريشة والقلم، تسعى دائماً لتطوير ذاتها الإبداعية، فكل تجربة هي خبرة تتجدّد وتنضج وتساهم في فهم أعماقها، لذلك كان لـ”البعث” هذا الحوار معها.

“من أنا؟” 

بدأت رنا مجارسه حديثها بالتعريف عن نفسها بالقول: من أنا؟.. تتعدّد التسميات وربما لا أجد لنفسي تعريفاً واحداً، ولا أستطيع أن أقرن نفسي بأية صفة سوى بأن أترك للآخرين وضع الصفات التي يعتبرون أني أستحقها، فعن نفسي أعتبر أن الصفات لا تصنعنا بل نحن من يصنعها بروحه، وكلّ عملٍ نقوم به بحب نعبر فيه عن جزء من أنفسنا وعن هويتنا وذاتنا، أحياناً أغدو كائناً من الكلمات المرصوفة التي تُسمّى شعراً، ومرة أكون بطلة صغيرة في قصة أكتبها، فأحيا على مشارفها وأرويها للأطفال الصغار لأصنع من بطولتي عملاً قصصياً لهم، ومرة أكون لوناً يغطي الفضاء بتدرجاته، فارسم ظلالي على اللوحات فأكون أنا.

في التعليم فاق اهتمامي بالنواحي الشخصية والتربوية للطفل على النواحي التعليمية، فكنت أشير إلى مواطن الضعف وأسلّط الضوء على المشكلة، وأسعى للحلّ من خلال نشاط صفي أو مبادرات تفاعلية أو مسرحيات أو مجموعات قصصية وتمثيلية، لأكون بذلك أماً ومربية ومعلمة وطفلة معاً.

بداية الشغف

وعن بدايتها في الكتابة قالت الشاعرة رنا مجارسه: ميلي الكبير نحو الكتابة الشعرية والسردية بدأ في المرحلة الثانوية، فكنت أكتب مذكراتي بشغف مبالغ فيه، وأصف كل ما أمرّ به بطريقة شعرية وأعبّر عما يخالج نفسي من ألم أو حب أو فرح على السطور، أكتب ما أراه بعين قلبي بطريقة شعرية وما قد أسمعه بطريقة السرد، كان ذلك بمثابة التمرين الروحي للكتابة التي أتقنتها فيما بعد، فالكتابة برأيي هي نتاج لتفاعل الإنسان مع واقعه وهي محاولة أيضاً لتغييره نحو الأفضل، مازلت لليوم أكتب لكي أطفئ الحرائق وبقايا البراكين المتقدة في داخلي، أكتب لأن في الكتابة راحة روحية، فهي سرّ لذة الحياة وهي المحرك الأساسي للاستمرارية، إذ يحتاج الإنسان للكتابة الإبداعية ليشعر بأهمّية دوره في الحياة، ويعبّر من خلالها عن لواعج النفس والروح.

بدأتُ بكتابة نصوص نثرية وشعرية على صفحتي الخاصة “فيسبوك”، ثم توجهت للنشر بالمجلات الإلكترونية، لي مجموعة لا بأس بها من النصوص الشعرية والنثرية والرمزية والشعر المحكي، كتبت الكثير عن البحر بطريقة رمزية ربما لأنه الشيء الأعظم والأكبر في نفسي، فكنتُ أصيغ من رماله كلمات أرصفها على شطّ النص في كتاباتي، وكما يقال أفضل الكتابات هي تلك التي لم نكتبها بعد، وبالنسبة لي كلّ عمل قمت بكتابته ترك علاماته في روحي لأطمح حالياً بالنشر الورقي من خلال المشاركة في ورشة الرواية التابعة لوزارة الثقافة لأقدم فيها أولى رواياتي مع مجموعة قصصية لتكون نتاج الورشة الحالية.

نقلة متفردة

بعد خبرة طويلة في التعليم والتعامل مع الأطفال تتحدث مجارسه عن مهنتها في التعليم التي بدأت منذ خمس عشرة سنة: شغفي بعملي تقديم كلّ ما يخدم الطفولة والطفل، كانت نقلتي التالية هي الكتابة القصصية للأطفال التي أعتبرها من أهم ما قمت به، فدخلت عالم الأطفال الإبداعي الذي لا يعتبر مكاناً بسيطاً بل هو مكان غنيّ بلا حدود، غريب وغامض ورائع.

القصة بشكل عام هي نقد للحياة، وطرح للمشكلة لتبدأ الكتابة للطفل من وحيه، قمت بحضور ورشة تفاعلية خاصة بأدب الطفل تابعة لوزارة الثقافة وكان نتاجها قصتين قدمتهما مع رسوماتهما لاتحاد الكتّاب العرب، قصة “مملكة الطيور” و”ماذا لو؟”.

تعلمتُ من خلالها أن القصة هي نوع من القدرة على الإقناع، والفرق بين الحياة والقصة أن الحياة مسطحة وتسير بشكل متتابع، بينما القصة لها شكل معيّن قد تبدأ من ذروة موقف سيئ لتنتهي بموضوعات مثيرة لإعجاب الأطفال.

الأطفال ما زالوا بحاجة إلى الغرائب والحكايا الخيالية التي تفسّر التناقضات التي يرونها حولهم، فتعطيهم الثقة في قدرتهم على التعامل مع الواقع.

وقد حصلت أيضاً على شهادة إلكترونية من منصة “إدراك” لكتابة القصة المصورة، نشرت في الهيئة السورية للكتاب قصة “زهرة الأقحوان”، وأيضاً في مجلة أسامة قصة “بطوطة” و”أحلام صغيرة”، وفي منصة جدل العربية قصة “وسيم الواثق بنفسه”، “الغرور”، “ماذا يقلق أمي”، “سننقذ البحر”، “لغتي هويتي”، “العبوا معنا”، “فقاعة الصابون”، “ضاع صوتي”، “مختلفة لكنها مميزة”، “البيوت الذهبية”.. وغيرها قيد النشر حالياً، ومازال لديّ الرغبة والمحاولات للنشر في دور ومجلات أخرى.

الرسامة 

وعن هوايتها منذ الطفولة قالت الفنانة رنا: أعشق الرسم وأمضي ساعات وأنا أرسم، الرسم متنفس حقيقي للروح، كان في البداية مجرد هواية وموهبة امتلكها، مع الوقت سعيت لتطوير نفسي في هذا المجال أيضاً لأبدأ بتعلم الظلال من خلال معهد الرسم التابع لوزارة الثقافة لأشارك بالمعرض الأول فيه بلوحات بالرصاص.

زاد شغفي بالرسم حبي للكتابة مما جعلني أرغب بتطوير مهارتي لأمتلك القدرة على الرسم أيضاً لقصص الأطفال، لكن توقفت عن الفكرة لأنني وجدت الرسم الرقمي يغزو بشكل كبير قصص الأطفال، وهو متداول جداً على الرغم من أنه لا يغني عن روح الرسام التي يضع جزءاً منها في عمله، فيكون العمل القصصي مزيجاً من روحي الكاتب والرسام معاً.

شاركت أيضاً بمعرض فضاءات لونية بلوحتين إكرليك على قماش، عبّرت فيهما عن المرأة وعن تفردها وعن كمية المشاعر التي تفيض بها كل أنثى، فكانت تلك إحدى أولى تجاربي اللونية بعد الاعتماد على الرصاص والفحم فقط، وهذا لا يعني ابتعادي عن الكتابة بل الأمر يكمله ويجمله.

قوة ونور وأمل

وعن الرغبة الدائمة في التعلم قالت مجارسه: وأنا لليوم في حالة تعلم مستمرة، أعمل على تطوير ذاتي، أحاول وأجرب وأخطئ وأتعلم، فكل تجربة هي خبرة تتجدّد وتنضج وتساهم في فهمي لأعماقي وذاتي.

الرسم والكتابة والشعر أمر لابد منه حالياً لتصبح هذه الحياة قابلة لأن تعاش، بامتلاكي هذا المخزون المزدحم في داخلي الذي أعبّر عنه أحياناً بالكتابة وأحياناً أخرى بالرسم، وأستمر في محاولة تطوير ذاتي من خلال الحب والعشق لكلّ عمل أقوم به، سواء كان بالتدريس أو في التعامل مع الأطفال إلى عشق الكتابة لهم إلى حب التعبير والكتابة الشعرية إلى فرادة الروح والسرد لها والشغف بالرسم للتعبير بألوانه عن النفس، فنحن نحتاج لهذا الكمّ من الإبداع في حياتنا، نحن نحتاج لقوة.. لأمل.. لنور.. يساعدنا على تخطي هذا العبور المليء بالظلام من حولنا.