الاتفاق النووي والسُعار الصهيوني
علي اليوسف
على وقع إنجاز الاتفاق النووي مع جمهورية إيران الإسلامية، ارتفع سُعار الكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق، بحيث لا يمكن تفسيره إلا من خلال استنطاق هذا السعار بأن كل يوم يمرّ على الكيان الصهيوني يُشعره بزواله، وخاصةً تلك المستجدات المتسارعة من حوله، والتي تطورت من الغضب إلى الردع المباشر منذ حرب تموز 2006، ومعركة “سيف القدس” 2021، التي أظهرت أن هذا الكيان الطارئ ليس دولة كما يراد تصويرها، بل عصابات أنتجت مؤسّسات تحميها وتديرها بقانون الغاب وقانون القوة بمسمّى لوبيات أو مراكز قوى.
إن مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية اليوم تبشّر بجملة من الحقائق، منها أن الكيان الصهيوني بات مكشوفاً وليس هناك ما يحميه، وإن سُعار الكيان مردّه إلى أنه لا يقبل الندية وتوازن القوة مع أحد في المنطقة كون ذلك يخلّ بوظيفته الأساسية، لكن هذا الكيان لم يدرك بعد أن الصراع صراع وجود وليس تمكين كيان سياسي في جغرافية بعينها والقبول به خوفاً وطمعاً، ومن كان يؤمن بأن الكيان الصهيوني قضاء وقدر لا يُردّ، يجب أن يدرك أن العالم يتشكل اليوم بصورة مفصلية حادة، ولم تعد تلك التوصيفات الخرافية تستقر سوى في عقول الانهزاميين.
في الحقيقة، إن كابوس الكيان الإسرائيلي هو أن تكون هناك علاقات طبيعية وعادية بين إيران والعرب، ولهذا السبب تسعى “إسرائيل” إلى منع إيران من الوصول إلى توازن إستراتيجي، وتعزيز دورها الإقليمي. ولعلّ أكثر ما تخشاه “إسرائيل” ليس العودة الى الاتفاق النووي، بل رفع العقوبات عن طهران وضخ الخزينة الإيرانية بمئات المليارات، يُستعمل جزء منها لتطوير الأسلحة، ودعم حلفاء إيران في المنطقة، لذلك تقوم بمحاولات حثيثة لتشديد العقوبات المفروضة على إيران، وخاصة تلك غير المرتبطة مباشرة بالاتفاق النووي، والتي فرضها ترامب بعد خروجه منه.
لكن من الواضح حتى الآن أن تأثير الكيان الإسرائيلي على الاتفاق النووي مع إيران يقارب الصفر، وأن استعراضاته ومحاولاته التأثير على صنّاع القرار لإفشال الاتفاق ما هي إلا “جعجعة بلا طحين”، هدفها التأليب ضد إيران وحشد الضغوط عليها، ولعلّ الخطوة التي أقدمت عليها الكويت بإعادة سفيرها إلى طهران، ووجود نيّة لدى دولة الإمارات للإقدام على الخطوة نفسها، وتتابع الأخبار عن تحسّن في العلاقات السعودية الإيرانية، كلها أدلة صريحة على أن الكيان لا يجد أذاناً مصغية لعوائه، بل الأهم أن بلدان العالم، بما فيها الدول العربية، باتت تبحث عما يخدم مصالحها، وليس ما يخدم مصالح الكيان عراب “شيطنة إيران” والتخويف منها.