الانتحار في الجيش الأمريكي
هيفاء علي
أصدرت جامعة “براون” الأمريكية تقريراً يفيد بأن 30177 من العسكريين والمحاربين الأمريكيين قد انتحروا في السنوات العشرين الماضية، وأن 7052 جندياً قُتلوا في العمليات الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول 2001. وبحسب التقرير، يواجه الجيش الأمريكي وباء انتحار حقيقياً بعد الإعلان عن انتحار 176 جندياً في عام 2021، وهو رقم قياسي منذ عام 1938.
ووفقاً للبنتاغون، فإن معدل الانتحار يتزايد في صفوف الجيش الأمريكي منذ عام 2015، وهذه القضية تثير قلق وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي تطرّق إلى القضية خلال زيارته لقاعدة “إيلسون” الجوية في ألاسكا العام الماضي، والتي غالباً ما يضع الجنود الأمريكيون فيها حداً لأيامهم. ووفقاً لصحيفة “يو اس توداي”، فقد وقعت في النصف الأول من عام 2021، 6 حالات انتحار من بين 11500 عسكري متمركزين في ألاسكا، والرقم نفسه وقع في العام 2020، إذ يعكس هذا الرقم حجم الكارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ففي عام 2018 تمّ تسجيل 326 حالة انتحار في صفوف كافة القوات المسلحة الأمريكية، مقارنة بـ350 حالة تمّ تسجيلها في عام 2019، و385 حالة في عام 2020. وبالمقارنة مع تسجيل ما يقرب من 160 حالة انتحار سنوياً في عام 2009-2010، فإن هذه الزيادة المزدوجة في الخسائر البشرية في غضون عشر سنوات تشهد على أزمة أخلاقية عميقة داخل القوات الأمريكية.
وفي معرض تحليلها لهذه الظاهرة الخطيرة، أشارت الطبيبة النفسية “تريسي ليتز” إلى أن أحد الأسباب الرئيسية هو أن هؤلاء الجنود “يشعرون بأنهم يعيشون بدون أي هدف”. فيما أفاد قدامى المحاربين أنهم شعروا أن الدولة كانت تستخدم رفاقهم كبيادق، ولم يروا أي معنى في أفعالهم، حتى أن حالات الانتحار وقعت في صفوف قوات العمليات الخاصة.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” دراسة حول حوادث الانتحار فيها، لافتةً النظر إلى أنه تمّ تسجيل 117 حالة انتحار بين عامي 2007 و2015 في صفوف قوات العمليات الخاصة، وقد ارتفع هذا العدد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وأرجعت الصحيفة الأسباب إلى أنه يمكن ربط حالات الانتحار بين الجنود بـ”الضغط الاجتماعي والضغط الذي تمارسه القيادة عليهم”، بالإضافة إلى التركيز على كثافة العمليات العالية على حساب “القيادة المختصة والانضباط والتبعية”.
وربما لهذه الأسباب مجتمعة ترفض شريحة الشباب الأمريكي التجنيد في الجيش، ففي 20 تموز الماضي، فاجأ نائب رئيس أركان الجيش، الجنرال جوزيف مارتن، أعضاء الكونغرس الأمريكي بإعلانه أنه بدون عدد كافٍ من المجندين، سيتعيّن خفض عدد الجيش الأمريكي إلى ما لا يقلّ عن العدد الموجود منذ عام 1940، حيث كان البنتاغون يعتزم في الأصل زيادة عدد القوات البرية إلى 485000 جندي بحلول عام 2023، لكن من الواضح الآن أنه سيتعيّن تخفيض الجيش إلى 445000 جندي. وبحسب الجنرال، فإن الجيش سيفتقر إلى ما لا يقلّ عن 7000 جندي لتنفيذ العمليات الحالية، فهناك فقط 23٪ من الشباب الأمريكي يصلحون لتأدية الخدمة العسكرية، لأن البقية غير لائقين بسبب السمنة أو المرض أو إدمان المخدرات أو إدراجهم في السجل الجنائي، ولكن 57٪ من الشباب الأمريكيين يخافون من الخدمة ويحاولون التهرّب منها جراء قناعتهم أنه بعد الخدمة سوف يعانون حتماً من مشكلات نفسية وجسدية. ومن هنا تزايد عدد حالات الانتحار، لأنه من الصعب فسخ العقد وفي الوقت نفسه لا يمكن الاستمرار في الخدمة حتى النهاية.
في ضوء هذه المعطيات، خفض البنتاغون متطلبات المجندين، ويكمل وحداته بنسبة 90٪ فقط، وبات من الممكن الآن المشاركة حتى بدون شهادة جامعية، كما يتمّ إنشاء معسكرات خاصة للمجندين، حيث سيتمّ إعداد الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة والذين يعانون من نقص عقلي للخدمة العسكرية، خاصة وأن أحد أسباب ارتفاع عدد حالات الانتحار هو التشويه النفسي، لأن قادة الجيش الأمريكي يولون اهتماماً أكبر لدراسة “النظرية العنصرية النقدية” أكثر من اهتمامهم بالتدريب العسكري، وهذا ما دفع رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي للمطالبة بالتوقف عن استخدام القوات المسلحة كتجربة اجتماعية عملاقة.