مؤشرات على أفول الولايات المتحدة
ريا خوري
نتيجة سخونة الأحداث، وتطوّر الحرب في أوكرانيا، وانعكاسها على دول العالم، ووصولها إلى طريق معقد، لا بد من استقراء المستقبل الذي ينتظر العالم، إذ تفيد المؤشرات بشكل صريح وواضح على بدء مرحلة جديدة من التحوّل الذي سيغيّر واقع الخارطة الجيوسياسية في العالم. صحيح أن هذا التحوّل يحتاج إلى وقت، لكن الأهم أن هذا التحول ينبئ بأفول نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقطب واحد وأوحد في العالم.
هذا التحول يتجلّى في حركة المجتمع الأمريكي، والتي هي انعكاس للواقع السياسي في قيادة الولايات المتحدة، فقد أكّد عدد كبير من الخبراء والاستراتيجيين الأمريكيين أن مرحلة جديدة يمرّ بها العالم، وأن مستقبل الولايات المتحدة الذي قاد العالم منذ انتهاء الاتحاد السوفييتي وحتى الآن، جرت خلالها السيطرة شبه الكاملة على مقدرات العالم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولعبت بأنظمة ودول وحكومات على رقعة شطرنج العالم وحرّكتهم كالأحجار الصماء، ومارست كلّ أشكال التضييق والحصار والضغوطات القاسية على الشعوب، وأسقطتْ حكومات ورؤساء دول، وفرضت هيمنتها وقيمها باستخدامها دبلوماسية المدفع تارة وبالحروب المدمرة تارةً أخرى.
إن مرحلة التحوّل في الولايات المتحدة كانت قد بدأت منذ أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، حيث كانت تلك المرحلة بداية اهتزاز أمريكا من الداخل وفقدانها لهيبتها أمام العالم، وبدلاً من الاهتمام بشأنها الداخلي، قامت بمتابعة سياسات الدول والحكومات حول العالم، وممارسة كلّ أشكال التسلط والهيمنة والردع عليها. ولكي تتمكن من استعادة هيبتها ومكانتها في العالم، استخدمت كلّ قواها القمعية ضد الدول والشعوب المستضعفة، لكنها لم تكسب سوى الخسارة. ولعلّ مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالية لـ منزل الرئيس السابق دونالد ترامب في ولاية فلوريدا، والعثور على عشرات الآلاف من الوثائق السرية والعلنية، واتهامه بإتلاف وإخفاء وثائق شديدة الأهمية والسرية يؤكد عملياً حدّة الانقسام الذي تعيشه الولايات المتحدة!.
ما بين أحداث الحادي عشر من أيلول، وتفتيش منزل ترامب، العديد من القرارات والأحداث الشائكة والمتداخلة التي تؤكد بداية انهيار الولايات المتحدة، فقد نجحت السياسة الأمريكية غير الحكيمة تجاه أزمة أوكرانيا في سدّ كل المنافذ الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة، كما أنّ تهديد الولايات المتحدة للصين من خلال التحرشات الأمريكية المتواصلة عبر تايوان، أدّى إلى انسداد آفاق التبادل السياسي والدبلوماسي بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما سيفرضُ تعدّد القوى العالمية وسيزيد التنافس بوتائر عالية على موقع رئيس مجلس إدارة الكرة الأرضية الذي انفردت به الولايات المتحدة الأمريكية عقوداً طويلة.