قراءة في كتاب “كسر التاريخ… مرآة البيت الأبيض”
علي اليوسف
نشر جاريد كوشنير في 23 آب الفائت كتابه المعنون ” كسر التاريخ.. مرآة البيت الأبيض”، وهو عبارة عن مذكرات قد تكون انتقائية وعديمة الروح، حيث يتحدّث كوشنير في هذا الكتاب المطوّل عن الوقت الذي أمضاه في البيت الأبيض خلال ولاية والد زوجته.
يقع الكتاب في 492 صفحة، حيث شكل العنوان بحدّ ذاته ” كسر التاريخ” مفاجأة لكل من راهن على العنوان الذي أطلقه كوشنير على كتابه، وخاصة جهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة – لا يُعرف بروح الدعابة – الذي أطلق على جاريد كوشنير الاسم الرمزي “ميكانيكي”.
يتناول الكتاب خبايا البيت الأبيض، وما جرى خلف الأبواب المغلقة خلال رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، وما جرى من نزاعات داخل المكتب البيضاوي، وأروقة الأمم المتحدة، والاجتماعات المتوترة والمفاوضات البالغة الحساسية، وغيرها من التسريبات اليومية، وصراع الجناح الغربي في البيت الأبيض.
وحسبما ورد في كلمة ناشر الكتاب: “جاريد كوشنير كان أحد أهم المستشارين الرئاسيين في تاريخ الولايات المتحدة. لم يكن إلا لقلة قليلة من مستشاري البيت الأبيض مثل ما كان لكوشنير من مهام واتصال بالرئيس. فمن مكتبه المجاور لمكتب ترامب عمل كبير المستشارين في هدوء من وراء ستار. الآن يحكي كوشنير في وصف سريع الإيقاع قصة رجل أعمال معدوم الطموحات السياسية وجد نفسه في منصب رئاسي لم يسبق أن توقعه له أحد”.
من السطور الأولى للكتاب، يتبيّن أن الكاتب بعنوانه الذي اختاره يفتقر إلى الوعي الذاتي، فهو يكتب كما لو أنه يعتقد أن الشخصيات البارزة، وحتى أقل من الشخصيات البارزة سواء الأجنبية أم المحلية قد أشات به في البيت الأبيض لأنه كان رجل الأفكار الجديد.
في مذكراته، لم يذكر كوشنير أن التركيز كان عليه لأنه صاحب أفكار خلاقة، بل لأنه وريث عقارات، وشاب مغرور بجانبه والد الزوجة زعيم العالم الحر غير المنتظم والمضلل. صحيح أن الكتاب عمل جاد، لكنه عديم الروح، حيث يبدو أن كوشنير كتب ذاكرته بشكل انتقائي، وبشكل غريب خلال فترة ولاية ترامب في منصبه، فهو يتجاهل تقريباً الفوضى، وعزل الحلفاء، وانتهاك القوانين والأعراف، ومغازلة الديكتاتوريين، والخسارة الشاملة لقيادة أمريكا الأخلاقية، وما إلى ذلك، من الحديث عن قضاياه التي كان مهتمّاً بها.
تبدأ مذكرات كوشنير “كسر التاريخ” بقصة والده، قطب العقارات تشارلز كوشنير، الذي سُجن بعد أن استأجر عاهرة لإغواء صهره، حيث تم تصوير اللقاء وإرسال الشريط إلى أخته. يقول جاريد إنه كان رجلاً صالحاً فعل شيئاً سيئاً، وكريس كريستي، أثناء عملها كمحامية الولايات المتحدة لنيوجيرسي، كانت قاسية لمقاضاته بلا رحمة. كما أن هناك ذكرياتٍ عن أجداد كوشنير اليهود الذين استقروا في نيو جيرسي بعد هروبهم من ألمانيا، وعملوا بشكل جيد، وهناك صفحة أو صفحتان عن وقت كوشنير في جامعة هارفارد، يتجاهل فيها حقيقة أنه تم قبوله بعد أن تعهّد والده بدفع مبلغ 2.5 مليون دولار.
إذا استطاع كوشنير أن يتذكر أستاذاً أو كتاباً أثر فيه أثناء وجوده في “كامبريدج”، فهو لا يقول ذلك. بدلاً من ذلك، يتذكر قيامه بأول صفقات عقارية أثناء وجوده هناك، حيث انتقل إلى نيويورك، واشترى ودمّر صحيفة كبيرة هي “نيويورك أوبزرفر”عن طريق إهمالها وتجنيد أصدقائه في صفحاتها.
يركز في كتابه بقدر كبير على استمالة إيفانكا ترامب، وكيف انفصل عنها لفترة وجيزة، لأنها لم تكن يهودية – تحوّلت لاحقاً – وكيف قامت ويندي مردوخ، زوجة روبرت، بلمّ شملهما على متن يخت روبرت. هنا يصف كوشنير مشهد القوة: “في ذلك الأحد، كنا نتناول الغداء في منزل بونو في بلدة إيزي على الريفيرا الفرنسية، عندما خرج روبرت لتلقي مكالمة، عاد وهمس في أذني: “لقد وافقوا على شروطنا، لدينا صحيفة وول ستريت جورنال”. بعد الغداء، عزف بيلي جويل، الذي كان أيضاً معنا على متن القارب، على البيانو بينما غنى بونو مع المغني وكاتب الأغاني الأيرلندي بوب جيلدوف”.
بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، أصبح كوشنير الطفل المدلل، وبات يتدخل في شؤون موظفي البيت الأبيض، ويتساءل لماذا لم يكن محبوباً؟ ولأنه كان لديه إذن ترامب، فقد فاز تقريباً على كل منافسيه، فقد كان كوشنير مسروراً لأن موظفي البيت الأبيض بمن فيهم رئيس الموظفين رينس بريبوس، ومستشار البيت الأبيض دون ماكغان، ورئيس الأركان اللاحق جون كيلي، غادروا أو طُردوا لأنهم حاولوا، على الصعيد الوطني، استبعاده من الاجتماعات التي لم يكن ينبغي أن يحضرها.
يتعمّق الجزء الأكبر من “كسر التاريخ”، في القضايا التي كان يهتم بها أكثر، بما في ذلك إصلاح السجون، والاستجابة لـ كوفيد، والشرق الأوسط، حيث حقق انتصاراً توجّه باتفاقات “أبراهام”.
يكشف كوشنير في مذكراته، أنه بعد انتخابات 2020، كان هو وزوجته إيفانكا ترامب يغسلان أيديهما من رئاسة ترامب، وأنه بعد شهور من مغادرته البيت الأبيض، حصلت شركة الأسهم الخاصة التي يملكها كوشنير على ملياري دولار من صندوق يقوده ولي العهد السعودي، الحليف الوثيق، كما كشف في مذكراته أنه عولج من سرطان الغدة الدرقية أثناء عمله كمستشار أول في الجناح الغربي، وهي واحدة من المعلومات القليلة التي لم يتم تسريبها من أحد أكثر البيوت البيضاء تسريباً في الذاكرة الحديثة.
ينتهي هذا الكتاب بإيحاء كوشنير بأنه لم يكن على علم بأحداث 6 كانون الثاني حتى وقت متأخر من اليوم، كما تجنّب كثيراً الحديث عن مزاعم كاذبة بتزوير الانتخابات. لذلك يبدو أن الكتاب لا يحتوي على معلومات مهمّة أو دسمة، وحتى مذكراته يشوبها شيء من النفاق، لأن ما ذكره يمكن الركون إليه في مذكرات أكثر شمولاً وموثوقية في مكان آخر.