دراساتصحيفة البعث

هل يخدم التزام وسائل الإعلام الوطنية بنقل الخبر مجرداً السياسات الوطنية؟

محمد شريف الجيوسي – عمان (الأردن)

يفترض بوسائل الإعلام، ووكالات الأنباء بدرجة أساس، نقل الخبر بأعلى درجة من الدقة والموضوعية و”الحياد”، وبقدر ما تنجح في ذلك تحوز على ثقة وسائل الإعلام التي تنقل عنها الحدث، وتنقله بالتالي لقرائها ومستمعيها ومشاهديها ومتابعيها الذين بدورهم يولون تلك الوسائل الثقة بصدقيتها، أو عكس ذلك.

لكن حديث الدقة والموضوعية والحياد والصدقية حديث نسبي جداً، فهو يتعلق بمدى فهم المراسل الصحفي ومحرر الخبر والوسيلة الإعلامية الناقلة للحدث، لهذه المفاهيم، ومن بعد مدى فهم الوسيلة الإعلامية الناشرة للحدث.

ويتعلق تقدير أو تفاوت مفاهيم الدقة والموضوعية والصدقية، باعتبارات عديدة، منها القدرات الصحفية لهذا الصحفي أو ذاك، والسياسة الإعلامية لهذه الوسيلة من تلك، والجهات الممولة، والفهم الخاطيء أو الصائب لأداء السياسة المفترضة للوكالة، وفي الأساس صحة أو عدم صحة السياسة الإعلامية المرسومة.

ويتبنى صحفيون ووكالات أنباء ووسائل إعلام فرضية أنهم صحفيون مستقلون أو أنها وسائل إعلام مستقلة، ولكن السؤال: “مستقلون عن ماذا؟”.. عن السياسات الإعلامية الرسمية لبلدانهم، أو عن السياسات الإعلامية الوطنية، أو عن الإعلام المعادي المحتل، وفي هذه الحالات هو إعلام غير مستقل قطعاً، وفي الحالتين الأوليتين هو إعلام منحاز لغير مصالح البلاد الوطنية وماض في خدمة الإعلام المعادي تحت يافطة إعلام مستقل.

أما في الرواية الوطنية للخبر، في بلد مستهدف من الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الغرب الأوروبي أو من مؤسسات رأس المال العالمية، هل يمكن أن تتطابق رواية الخبر لوكالة أنباء وطنية، مثلاَ، مع الرواية والرؤية لوكالة أنباء غربية في استخدام المفردات (بغض النظر عن اللغة) وتقديم وتأخير المجريات، وتجاهل بعضها أو التركيز عليها، وفي المقدمة والخاتمة، وفي تضمينه خلفية شارحة أو دونها.. إلخ.

بهذا المعنى، من غير الممكن القول بأن مهمة وسائل الإعلام نقل الخبر مجرداً من التدخل في روايته في التقديم والتأخير والإبراز والتجاهل، وفي العنوان وإختيار المؤثرات والتوضيح المناسب.. إلخ؟ بل هل يمكن أن تتماثل رواية وصياغة الخبر من قبل ذات الشخص أو الوسيلة الإعلامية بعد حين من صياغتها أول مرة، حيث تتضح الصورة أكثر، أو تتعمق الرؤية أو تتبدل القناعات.. إلخ؟

بهذه المعاني، لا مكان لرواية خبرية للحدث مجردة من المصالح الوطنية والتحليل الذكي (الخفي) المتطابق مع المصالح الوطنية أو القومية أو الاجتماعية أو الإنسانية أو الطبقية أو الدينية.. إلخ، وتجريده من هذه الخاصية لا يمكن أن يخدم السياسة الوطنية للإعلام.

ليس هناك صياغة خبرية مجردة، حتى من قبل وكالة وطنية للأنباء، بحجة تخصصها بالخبر مجرداً وتقديمه هكذا دون أدوات الدفاع عن المصالح الوطنية، لأن معنى ذلك ترك ساحة الخبر خالية من مؤثراتها لصالح روايات الوكالات الأجنبية والمعادية، ولعبها فيه كيف تشاء، ومنحها فرصة التفرد في روايتها، في حين التزمت الوسيلة الوطنية برواية متواضعة التأثير بحجة تقديم الخبر مجرداً كخبر.

وفي حالات الخبر المحلي البحت، سيقتصر تأثيره المحدود على المستوى الداخلي، في حال تقديمه (الموضوعي) دون تدخل، ما يترك المواطن نهباً للإشاعة وترويجات وكالات الأنباء الأخرى، تحت مبرر تقديم الخبر كما هو، مجرد خبر.

لا بأس من تقديم الخبر على أنه كذلك، مجرد خبر، دون “رتوش”، في حال كونه ناقداً، ولا يتناول حدثا إستراتيجيا، أو يلقي الضوء على حالة سلبية ما، في حال كان هذا الحدث لا يؤثر على النسق العام الإيجابي الصاعد لمجمل مجريات الحياة العامة للبلد المعني، ويقدم في صورته النقدية تلك، غاية إصلاحية معينة، لا بد من إلقاء الضوء عليها، في غير تسخيف ولا مبالغة.

إن إختيار الخبر وروايته وصياغته ليست حالة يسيرة، وتحتاج لإحاطة عامة بما يتعلق به، وثقافة سياسية، ووعي وطني راق، وإنتماء حقيقي، وقدرة على المتابعة وعشق لمهنة التحرير، ولقراءة الحدث للآخر، فقد تكون زبدة الخبر في نهايته فتقدم على ما عداها، وإضافة خلفية مقتضبة تساعد القارئ على فهم الخبر، بما يؤدي الغاية المطلوبة منه، بطريقة مفهومة ومتقبلة تبعث على الثقة.

بكلمات: لا حيادية ولا تجريد في رواية الخبر ولا في صياغته، وإلا فمعنى ذلك ترك الساحات فارغة للإعلام المعادي المضاد، ليروي بطرائقه ما يريد، بل ينبغي العمل والسعي لأن تتجلى رواية الخبر بالقدرة على تقديمه بأعلى درجة من الإقناع بصدقيته، وهذا يتطلب توفر الوسيلة الإعلامية – أية وسيلة – على مهنيين راقي القدرات والثقافة والمتابعة والمواطنة والعشق لمهنتهم، لا مجرد موظفين ساقتهم الصدفة وشظف العيش إلى هذه المهنة الراقية العلية.

إيميل : m.sh.jayousi@hotmail.co.uk