“زابوروجيه “.. سيناريو مكرر بأدوات مختلفة
علي اليوسف
تحولت محطة زابوروجيه النووية إلى أهم عنوان في الصحافة الغربية، شأنها شأن حادثة دوما التي افتعلتها ما يسمى “الخوذ البيضاء”، مع فارق في الأهداف من وراء هذا الكم الهائل من التهويل. في افتعال حادثة دوما كان الهدف هو تبرير استجلاب قوات أمريكية وأوروبية لاحتلال سورية، وتغيير أسس وأركان الدولة السورية. أما في زابوروجيه فإن الهدف هو تخويف العالم من كارثة نووية، وتوحيد الجهود الغربية لحصار أكبر لروسيا، وزيادة العقوبات الاقتصادية عليها، وبالتالي شيطنتها وتحويلها الى دولة مارقة. أما الجامع في الحدثين فهو نفس العقل المدبر، لكن بأدوات مختلفة.
منذ انتشار التهويل لما قد ينتج عن زابوروجيه، سلمت بعثة روسيا الدائمة لدى مجلس الأمن الدولي أدلة تثبت قصف قوات كييف المحطة النووية الخاضعة لروسيا جنوب أوكرانيا، وكتبت البعثة الروسية على “تويتر”: “وزعنا على أعضاء مجلس الأمن الدولي شرحاً توضيحياً أعدته وزارة الدفاع الروسية يظهر قصف القوات الأوكرانية لمحطة زابوروجيه النووية في الـ 25 من آب 2022”.
وما دامت موسكو سلمت الوثائق التي لديها بشكل رسمي إلى مجلس الأمن، فهذا يعني أن أجزاءً من المؤامرة وأهدافها بدأت تتكشف، بحيث يمكن قراءتها من عدة وجهات نظر. أما الهدف الأول فهو في موضوع عمل الوكالة الدولية للطاقة النووية، فقد انتهى مؤتمر أطراف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مؤخراً دون التوقيع على وثيقة ختامية، حيث اعترضت روسيا على الوثيقة، ورأت أنها غير مقبولة بالنسبة لها، وعلى وجه الخصوص اقتراح ضمان سيطرة السلطات الأوكرانية على محطة زابوروجية للطاقة النووية، وهذه هي المرة الثانية على التوالي التي ينتهي فيها مؤتمر معاهدة حظر الإنتشار النووي دون التوقيع على وثيقة نهائية حتى المؤتمر الجديد في العام 2026، وبالتالي فإن الهدف الأول هو تحويل الصراع في أوكرانيا إلى فتيل يقوض نظام الأمن النووي العالمي الذي تم بناؤه في زمن الحرب الباردة.
أما في الهدف الثاني، فإن الغرض من الاستفزازات التي تقوم بها كييف في محطة زابوروجيه، والمغامرة الخطيرة التي تقوم بها هو إنشاء منطقة حظر على القوات الروسية بقطر 30 كيلومتراً، وبالتالي استجلاب قوات حفظ سلام دولية، وهو بالفعل ما قامت به أوكرانيا حيث دعت إلى نشر قوات حفظ سلام دولية على أراضي المحطة، وطالبت المجتمع الدولي بالمساهمة في إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول هذه المحطة النووية. وبحسب وجهات النظر العسكرية، من الواضح أن أوكرانيا تحاول جذب طرف ثالث إلى صراعها بأي ثمن، خاصةً بعد الفشل في جر دول الناتو إلى الحرب بشكل مباشر، أي دفع قوات حفظ سلام ومراقبين دوليين بأي طريقة إلى محطة زابوروجيه، والضغط على روسيا من خلال ذلك، ثم المطالبة بنشر قوات حفظ السلام على نطاق أوسع في كامل الأراضي الأوكرانية.
مقابل هذين الهدفين، والأهداف الأخرى، تصّر روسيا على التحذير من أن العالم بهذه اللعبة الخطيرة يسير على حافة الهاوية، وأنه يجب على الأمانة العامة للأمم المتحدة أن تتعامل بمصداقية وجدية مع الأعمال الإجرامية التي تقوم بها كييف كجزء من أنشطتها المدمرة والخارجة عن القانون، لأن عواقبها لن تقتصر على حدود جغرافية معينة.
وحتى إذا كان الهدف الأكبر من هذه اللعبة هو تدمير روسيا، فإن النتائج تدحض هذه الرواية، فالغرب عموماً يواجه صعوبة في الحفاظ على وحدته بمواجهة روسيا مع تفاقم مشاكله الاقتصادية جراء العقوبات، ما سيؤدي في النهاية إلى هزيمته أمام موسكو. وكما كتب ريتشارد كيمب في صحيفة “تلغراف”: “في البداية بدا أن الولايات المتحدة وحلفاءها متحدون حقاً ضد الكرملين، لكن تبين أن هذا مجرد وهم. فعلى سبيل المثال، ألمانيا واصلت شراء موارد الطاقة من روسيا، والهند أعلنت الحياد. كما إن تدفق المساعدات الغربية على أوكرانيا سينقطع عما قريب، وستتغير الصورة بشكل جذري”. وأشار إلى أنه خلال الشهرين الماضيين، لم تقدم أي دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي أي وعود لكييف بدعم جديد، فيما وصف رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل الحفاظ على الوحدة في الاتحاد بأنه “صراع يومي”. ولفت كاتب المقال إلى أنه بين الصعوبات التي تهدد التماسك في أوروبا، خسارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للأغلبية في البرلمان، والتغيير الوشيك للحكومة في إيطاليا، فضلاً عن أزمة الطاقة والاقتصاد المتزايدة. وختم مقاله بالقول: “مع الانكماش في الصناعة وارتفاع نسب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، فإن قيادة الاتحاد الأوروبي تدرس جدياً إمكانية تخفيف العقوبات. فقط المملكة المتحدة ودول أوروبا الشرقية ملتزمة بدعم أوكرانيا، لكن استمرار المساعدة من هؤلاء مهما كانت قوية، فلن تكون كافية. أنا واثق من أن الغرب سيخسر أمام روسيا عندما تنكسر وحدته في النهاية”.