أخبارصحيفة البعث

أوروبا بين الغضب الشعبي وضياع الأهداف والحفاظ على التبعية

تقرير إخباري:

مع ازدياد وتيرة الأحداث المتسارعة في دول أوروبا، تكثر التساؤلات حول ما يصبو إليه السياسيون الأوروبيون في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة في بلدانهم، وإن كانت لديهم محاولات خجولة للخروج من السيطرة الأمريكية.

فألمانيا من الدول التي تمتلك اقتصادات متطوّرة في العالم، لكن الخيارات السياسية الأخيرة التي اتخذتها حكومتها بالتزامن مع الأحداث العالمية خلال السنوات القليلة الماضية أثّرت سلباً في الاقتصاد الألماني القائم على التصدير، وهذا يتطلب إعادة الحكومة الألمانية وغيرها من حكومات الاتحاد الأوروبي إلى رشدها تجاه الخراب الذي ربما يلحق بأجيال باتت مهدّدة بنقص جميع احتياجاتها حتى البسيطة منها، فالتضخم الألماني أصبح يتأرجح وسبق أن وصل إلى مستوى 7,9%، بل من المرجّح أن يصل إلى مستوى 10%، وهذا مستوىً لم يشهده الاقتصاد الألماني منذ 70 عاماً.

أمام كل هذا، بدأت تثور لدى المواطنين الألمان تساؤلات عمّا إذا كانت أمريكا خدعتهم وضحّت بهم، بعد أن بدأت ألمانيا تدرك بشكل متزايد أنها ستعاني من المزيد من الضرر إذا استمرّت في اتباع الإرادة الأمريكية بتشديد العقوبات ضد روسيا.

والمستغرب أن ألمانيا رغم أنها ما زالت تواصل موقفها بفرض العقوبات على روسيا، فهي في الوقت ذاته تشعر بالمفاجأة تجاه ما اتخذته الأخيرة عندما قطعت إمدادات الغاز عبر”السيل الشمالي1″.

أما الشارع الألماني فقد أدرك أن الأمر يحتاج إلى إقامة المظاهرات للاحتجاج على السياسات الخاطئة لزعمائهم وانجرافهم إلى صراعات كارثية بعد قرارهم باستمرار توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، فضلاً عن إضرابات نقابات عمال الطيران بسبب غلاء المعيشة.

وحذّرت تقارير إعلامية، السلطات الألمانية من موجة احتجاجات شعبية واسعة هذا العام، ومن المرجّح أن تقوم جموعهم بِحث السياسيين على التوقف عن إظهار عنادهم والبدء في مناقشة رفع العقوبات لإعادة إطلاق خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي-2″، ولعب دور إيجابي بتفعيل محادثات السلام بين موسكو وكييف.

وفي الوقت ذاته “بريطانيا العظمى” ليست بحال أفضل، إذ تعيش أزمة سياسية واقتصادية متعثرة تتمثل في التضخم الهائل، وزيادة تكاليف الطاقة وإضرابات عمال سلاسل التوريد، وقطاع سكك الحديد، وأزمة في الأجور مع ارتفاع مؤشر أسعار التضخم إلى 10,1 %، مسجّلاً أعلى قيمة في 40 عاماً.

المتتبع للأحداث يلاحظ أنه سبق لروسيا وأوكرانيا أن عقدتا صفقة مبدئية لإنهاء الحرب خلال المفاوضات بينهما في شهر نيسان الماضي مقابل تعهّد أوكرانيا بعدم السعي للحصول على عضوية حلف الناتو، لكن تلك التفاهمات والمفاوضات تم تقويضها من رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الذي هرع لزيارة كييف في حينه، واعداً رئيس نظام كييف فلاديمير زيلنسكي بالدعم حتى النهاية.

كذلك فإن اتفاقية الحبوب في تموز، بين كييف وموسكو لاستئناف تصدير القمح من موانئ أوكرانيا كانت مؤشراً على مساعٍ للتهدئة بين الطرفين، ويشي استمرار نجاح هذا الاتفاق بأن كلا الجانبين مهتم بتقليل التأثير العالمي للحرب على عكس ما تريده أوروبا ومن خلفها الولايات المتحدة.

ولوحظ التزام موسكو بتجنّب وقوع كارثة نووية من خلال تسهيل وصول فريق من المفتشين الدوليين إلى محطة زابوروجيه للطاقة النووية، بعد أن تعرّضت لقصف أوكراني، لكن في الوقت ذاته كان لأوروبا وجهة نظر أخرى وأرادت صنع فبركات سياسية تقوّض الموضوع تجاه إدانة موسكو وإظهارها أنها تنوي ضرب المحطة غير آبهة، ما يؤكد رغبة ساسة أوروبا الجامحة باستمرار الصراع، وذلك طبعاً باستخدام النظام في كييف، ولكن روسيا استطاعت أن تكشف محاولة تسلل صحفيين أوكرانيين لتغطية مشاهد مفبركة حول قصف روسي للمحطة بإيعاز أمريكي واضح.

ورغم بعض المحاولات الأوروبية الخجولة لبناء جيش أوروبي مستقل عن الناتو قادر على الدفاع عن أوروبا بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة، إلا أن نفوذ واشنطن وتغلغلها في كيان الحكومات الأوروبية، بل اختراقها لها، لن يسمح لهذا الهدف بالتحقق حتى اللحظة، حتى لو وصل مجموع النفقات العسكرية الأوروبية إلى 200 مليار يورو سنوياً.

وفي المحصلة، تتمكّن واشنطن من تشتيت الجهد الأوروبي القائم على محاولة الاستقلال عنها، من خلال زجّ الدول الأوروبية في صراعاتٍ حول مناطق العالم لا طائل منها كحرب البلقان ودعم النظام الأوكراني في حربه مع روسيا، وذلك لاستنزاف أوروبا وإضعافها وإبقائها تابعاً ضعيفاً لها باستخدام “الناتو” ذراع واشنطن الحقيقية أم من دونه.

بشار محي الدين المحمد