تشريع أمريكي يُظهر الخوف من التكنولوجيا الصينية
ترجمة وإعداد: هناء شروف
في 16 آب الماضي وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون خفض التضخم لعام 2022، والذي بموجبه سيتمّ استثمار 369 مليار دولار في الطاقة النظيفة لتقليل الانبعاثات ومكافحة تغيّر المناخ، وسيتمّ إنفاق 64 مليار دولار بموجب قانون الرعاية بأسعار معقولة لخفض الصحة وتكاليف التأمين، وسيتمّ فرض ضريبة بنسبة 15 في المائة كحدّ أدنى على الشركات التي تربح أكثر من مليار دولار في السنة. ويتطلب التشريع استثمارات إجمالية قدرها 437 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرفع 737 مليار دولار، ويقلل العجز بمقدار 300 مليار دولار.
بحجة مكافحة التضخم، يعد البيت الأبيض بـخفض التكاليف للعائلات ومكافحة أزمة المناخ وتقليص العجز، وأخيراً مطالبة أكبر الشركات بدفع نصيبها العادل، لكن قانون خفض التضخم لن يعالج بشكل مباشر العديد من الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات من الغاز والطعام إلى وجبات المطاعم والإيجارات، على الرغم من أن مؤشر أسعار المستهلك لا يزال عند أعلى مستوى له منذ أربعة عقود.
في الواقع قال مكتب الميزانية بالكونغرس إن التغييرات سيكون لها تأثير “ضئيل” على التضخم هذا العام أو العام المقبل، وهذا يجعل قانون تخفيض التضخم نسخة مصغرة من “قانون إعادة البناء بشكل أفضل” الذي اقترحته إدارة بايدن في عام 2021.
في الواقع يعتبر قانون تخفيض التضخم مشروع قانون خاص بالمناخ، حيث يرتبط الاستثمار البالغ 369 مليار دولار بـ”تغيّر المناخ وأمن الطاقة”، بما في ذلك الحوافز الضريبية وغيرها من الحوافز لتعزيز إنتاج السيارات الكهربائية والمعادن المهمّة وتطوير تقنيات الطاقة المتجدّدة، وبالتالي يمثل أكبر استثمار منفرد في المناخ والطاقة في تاريخ أمريكا.
تهدف هذه الأحكام إلى وضع الولايات المتحدة على طريق خفض الانبعاثات بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2030، ولكنها تعكس أيضاً الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية، بما في ذلك الرغبة في تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين، مما يضمن الانتقال إلى اقتصاد نظيف يخلق الملايين من وظائف التصنيع الأمريكية، ويتمّ تشغيله بواسطة تقنيات نظيفة أمريكية الصنع.
هدف بايدن هو التأكد من أن 40-50 في المائة من جميع المركبات الجديدة المباعة بحلول عام 2030 هي مركبات كهربائية -قفزة هائلة من 2 في المائة فقط في عام 2020- ولهذا يوفر قانون تخفيض التضخم ما يصل إلى 7500 دولار ائتمان ضريبي لكل مركبة كهربائية مؤهلة. لكن تلك المركبات الكهربائية فقط هي التي ستحصل على الإعفاء الضريبي الذي يتمّ تصنيع مواد ومكونات بطارياتها بنسبة 50 بالمائة في أمريكا الشمالية بدءاً من شهر كانون الثاني من العام المقبل. واعتباراً من عام 2029 ستتأهل المركبات الكهربائية التي تستخدم مواد ومكونات بطاريات مصنوعة في أمريكا الشمالية فقط للحصول على الإعفاء الضريبي. أيضاً يجب تعدين المعادن الرئيسية للبطاريات المستخدمة في هذه المركبات الكهربائية، ومعالجتها في الولايات المتحدة أو البلدان التي لديها اتفاقية تجارة حرة معها.
مشروع القانون هو في الواقع تشريع آخر “اشترِ المنتجات الأمريكية”، يهدف إلى قطع العلاقات مع سلاسل توريد السيارات الكهربائية التي تتمحور حول الصين وخاصة سلسلة توريد البطاريات.
إن زيادة إنتاج البطاريات في الولايات المتحدة هو من صميم عمل قانون تخفيض التضخم، خاصةً وأن النيكل والكوبالت والليثيوم هي المعادن الرئيسية المستخدمة في البطاريات عالية الأداء، لكن الولايات المتحدة ليست منتجاً كبيراً لأيّ من هذه المعادن، وعادةً لا تقوم الدول التي تنتجُ مثل هذه المعادن بكميات كبيرة بتصنيع مكونات البطاريات أو البطاريات. والمثال المناسب هو تشيلي التي تنتج 25 بالمائة من الليثيوم في العالم، ولكن لا توجد كمية ملحوظة من البطاريات.
ظلّت الصين أكبر سوق لسيارات الطاقة الجديدة في العالم لمدة سبع سنوات متتالية وربطاً مهماً في سلسلة التوريد العالمية للبطاريات، حيث تأتي معادن البطاريات في الغالب من الصين أو الشركات التي لها علاقات وثيقة مع الصين، وتمثل شركات تصنيع البطاريات الصينية نحو نصف حصة السوق العالمية.
إذا قطع صانعو السيارات في الولايات المتحدة وحلفائها مثل الدول الأوروبية واليابان وشركاتهم العلاقات مع المورّدين الصينيين فسيتعيّن عليهم إنفاق المزيد على الشراء والتسليم، لأن نسبة كبيرة من المواد المستخدمة في البطاريات تأتي من الصين.
يقول مراقبو الصناعة إن التشريع الأمريكي يُظهر أن واشنطن تشعر “بالخوف” من براعة الصين التكنولوجية المتزايدة وتخلص من عدم كفاءتها في الحفاظ على تفوقها في تكنولوجيا السيارات الكهربائية. ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على السلع المصنّعة الصينية للحصول على طاقة نظيفة.
استهدف بايدن الصين مراراً وتكراراً في خطاباته قائلاً إن الولايات المتحدة تريد اللحاق بالصين في مجال الطاقة الجديدة، ويبدو أن الإجماع الوحيد بين الديمقراطيين والجمهوريين هو التحقق من صعود التكنولوجيا في الصين. لذلك، يبيّن قانون تخفيض التضخم بشكل واضح أن النيّة الحقيقية للولايات المتحدة هي التحقق من تقدم قطاع الطاقة الجديد في الصين.