عن واشنطن واللعب بالنار.. و”الجامعة”
أحمد حسن
مرة جديدة، وكعادتها عندما تشمّ رائحة “حلحلة” ما بشأن الأزمة السورية، تعود واشنطن لتعقيد المسألة، فبعدما انتشرت في الآونة الأخيرة “آمال” بخطوات محدّدة لبروز تفاهم إقليمي، ولو كان محدوداً واضطرارياً بالنسبة لبعض أطرافه، عاد “العم سام” إلى دور “الوسواس الخناس” محاولاً نفخ الروح في رفات ما يسمّى “أصدقاء سورية” لـ “شدشدة” ما انحلّ من مفاصلهم – بسبب الصمود السوري لا لسبب أخلاقي مثلاً – علّهم يعودون بها إلى أتون “العشريّة الدموية” السابقة، بالتوازي مع تنشيط وتفعيل زر “تنظيم داعش” لمعاودة جرائمه بحق السوريين، والدفع بـ “إسرائيل” إلى مواصلة اعتداءاتها الفاضحة على سورية لإقناع “الأصدقاء” بأنها ما زالت ميداناً لمعركة طاحنة وليست جاهزة بعد للنهوض والإعمار.
وبالطبع، فإن السلاح الاقتصادي لا يفارق اليد الأمريكية، فمع رفع سقف العقوبات على دمشق، رفعت بعضها عن مناطق أتباعها في شمال وشرق سورية لتكون “الجزرة” التي “تجرّهم” بها علّها بذلك تعيد قبضتها على المسارين الميداني والسياسي إلى ما تريده وترغبه، أي ما هو ليس أقل من حلّ الدولة السورية لا حلّ أزمتها.
والحال، فإن البعض قد يتساءل، في ظل هذه الفوضى العالمية الضاربة، عن سر هذا الاهتمام الأمريكي بسورية رغم انشغالاتها الكبرى بحرب أوكرانيا وارتداداتها السياسية والاقتصادية، كما في سعيها المستميت لنصب “فخ تايوان” للصين واستكمال عناصر التفجير في وجه بكين.
والواقع أن بعض من يسأل السؤال السابق يقوده الجهل، لكن بعضهم يقوده الحقد، ويدفعه الخوف والخشية من دور ومكانة “أكبر بلد صغير في العالم”، أي سورية بموقعها الجيوسياسي في قلب الشرق الأوسط ومسائله وسياساته وتوازناته، كما في مجاورتها لفلسطين حيث يقبع المشروع الغربي الصهيوني الهادف إلى تمزيق الشرق، وهو المشروع الذي رفضته دمشق بقوة وقاومته وفضحت تستّره، منذ بدايته، تحت أسماء متعدّدة وأهداف براقة، بكل ما تملكه ودعمت كل من يقاومه ورفضت التوقيع، منذ كان اسمه الأول “حلف بغداد”، على صك الشرعية الضروري له، وهذا وغيره ما يفسّر مكانة ومركزية سورية في خطوات واشنطن العدائية السافرة.
إذاً، هذه عودة أمريكية أو – للدقة خطوة جديدة – في مسار واضح للعرقلة والمحاولة الدائمة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وصمت ما يسمّى “المجتمع الدولي” عليه، ومن ضمنه طبعاً الاعتداءات “الإسرائيلية” باعتبارها، مع “داعش” وتنظيمات الإرهاب الأخرى، “الأداة” الحربية الأمريكية اليوم في مواجهة النهوض السوري، وامتناع، أو منع “مجلس الأمن والمعنيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة” عن “ممارسة الحدّ الأدنى من الولايات المعقودة لهم بموجب الميثاق في مجال صون السلم والأمن الدوليين، وإدانة هذه الاعتداءات الإسرائيلية وتوصيفها على حقيقتها القانونية والواقعية باعتبارها خرقاً متعمّداً ومتكرّراً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وتهديداً مباشراً للسلم والأمن الإقليميين والدوليين”، هو أمر خطير للغاية فسورية التي “صمدت وستصمد”، كما قال الوزير المقداد، “لن تسكت في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة وسيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلاً أم آجلاً”.
خلاصة القول، من “يلعب بالنار ويعرّض الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة للتفجير” سيدفع الثمن، هذا قرار سوري واضح وضوح قرارها بالتعالي والمكابرة على طعنات بعض الإخوة وخضوعهم للخارج، بل مساعدتهم، كما اعتادت دائماً، على توحيد صفوفهم والتخفيف من إحراجهم، ولو على حساب حقها الثابت، أملاً منها في عودتهم لاحقاً إلى “الطريق المستقيم”، وبالتالي يجب على بعض الرؤوس الحامية –وبعض الخانعة أيضاً- أن تتوقف أمام هذا الموقف السوري وتقرأه جيداً بشقيه، فلن يحميها الغطاء الأمريكي طويلاً، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته في هذا السياق، وإلا فسيكون مسؤولاً عن “التمادي في العدوان وتهديد السلم والأمن في المنطقة والعالم”، ولذلك توابع خطيرة سيعرفها الجميع في القريب العاجل.