فون دير لاين.. خطاب برائحة الحرب الباردة
عائدة أسعد
أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في تغريدة لها قبل أيام، بـ ميخائيل غورباتشوف، ودوره الحاسم في إنهاء الحرب الباردة وإسقاط الستار الحديدي. لكن ما قالته فون دير لاين في كلمتها في منتدى “بليد” الاستراتيجي في سلوفينيا مؤخراً، أظهر أنها عازمة على إشعال حرب باردة جديدة، وبناء جدار لتقسيم العالم، وهو الأمر الذي حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مراراً وتكراراً.
لقد كان خطابها خطاباً تشهيرياً ضد الصين مليئاً بالأكاذيب، ويهدف إلى تشتيت الانتباه عن المشكلات الخطيرة التي تعاني منها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة، والتضخم المرتفع، والركود الذي يلوح في الأفق، والتعب المتزايد من الصراع الروسي الأوكراني المطول.
وتقول فون دير لاين إن نحو 150 دولة، رفضت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فرض عقوبات على روسيا، تحاول تقويض المعركة العالمية ضد تغيّر المناخ، وإخراج الثورة الخضراء عن مسارها من خلال الترويج للخوف بشأن الصين التي توفر 10 من 30 مادة خام ضرورية لإنتاج بطاريات الليثيوم. وأضافت: “لذلك علينا تجنّب الوقوع في التبعية نفسها، كما هي الحال مع النفط والغاز، ولا ينبغي استبدال التبعيات القديمة بأخرى جديدة، ويجب التأكد من أن الوصول إلى هذه السلع لن يستخدم لابتزازنا”.
إن الصين تُعدّ إلى حدّ بعيد أكبر مستثمر ومنتج للطاقة المتجدّدة في العالم، وأكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة، وإذا استخدمت الصين التجارة كأداة لابتزاز دول أخرى، كما يوحي حديث فون دير لاين، فإن العديد من الدول قد توقفت عن التجارة معها الآن.
وعلى الرغم من أن الصين تعتمد على الاتحاد الأوروبي في العديد من السلع عالية التقنية، إلا أن القادة الصينيين لم يخشوا أبداً من الاتحاد الأوروبي، أو يزعموا أن الكتلة تبتز الصين، وبالتالي فإن سياسة الاتحاد الأوروبي، في ظل فون دير لاين، غالباً ما تمّت مصادرتها من قبل واشنطن.
إن تركيز فون دير لاين على بناء علاقات جديدة مع شركاء موثوقين متشابهين في التفكير حول العالم هو تعبير ملطف عن حرب باردة جديدة، ويهدف إلى تقسيم العالم إلى تكتلات أيديولوجية مختلفة، ويعتبر خطابها الأخير الأكثر شراسة ومناهضة للصين منذ أن أصبحت رئيسة للمفوضية الأوروبية في عام 2019.
وأنهت خطابها بنشر المزيد من الأكاذيب -أن الصين تضع مصائد ديون لدول أخرى من خلال مشاريع البنية التحتية والتمويل منخفضة المستوى- على الرغم من دحض الخبراء لمثل هذه الادّعاءات، ومنهم الباحثة البارزة في هذا المجال ديبورا براوتيغام من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
وإلى جانب ذلك، زعمت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سوف يبتكر طريقة أفضل لتنفيذ مشاريع البنية التحتية في الاقتصادات الأخرى، لكنها لم تظهر بعد طريقاً أو جسراً أو خط سكة حديد بناه الاتحاد الأوروبي في إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية.
في الواقع، على بعد أقل من 600 كيلومتر جنوب شرق المكان الذي ألقت فيه خطابها، افتتح جسر “بيليساك” الكرواتي، الذي بنته شركة صينية، أمام حركة المرور في حزيران العام الماضي في الوقت المحدّد على الرغم من التحديات الهائلة التي تمثلها جائحة كوفيد 19، حيث حاز العمل عالي الجودة على ثناء الشعب والقادة الكرواتيين.
إن فون دير لاين لم تذكر أبداً في خطابها الحقائق الثابتة مثل جسر “بيليساك” هذا، أو العديد من الجسور والطرق والسكك الحديدية الأخرى التي بنتها الصين في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأشاد بها السكان المحليون!.