مؤسسات الإغاثة العالمية بحاجة للإغاثة!
ريا خوري
مع ازدياد المخاوف وحجم التوترات المستمرة نتيجة ما جرى من تحولات كبرى في الشؤون العسكرية والطبيعية في معظم بلدان العالم، والتي تنبئ بقدوم مرحلة جديدة في عددٍ من تلك الدول، باتت الأحداث المتتابعة والمؤثرة تهدّد عدداً كبيراً من دول العالم المتقدم، وخاصةً في القارة الأوروبية العجوز التي تعاني، بسبب العقوبات ضد روسيا، من تأثيرها واستحقاقاتها في اقتصاد تلك الدول.
اليوم تتفاجأ العديد من دول القارة العجوز بالعديد من الكوارث الأخرى التي لا تقلّ فداحة في تأثيرها واستحقاقها عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، ألا وهي انخفاض مستوى المياه في الأنهار الكبيرة، ما يهدّد بنقص المياه في العديد من الدول، وبالتالي سيُلقي بآثار خطيرة جداً على الحياة بشكلٍ عام في تلك الدول، إذ تعتمد في زراعتها وثروتها الحيوانية الغنيّة وحياتها على مياه الأنهار الغزيرة، مما ينذرُ بكارثة طبيعية كبرى.
إنّ مجريات الأحداث المتلاحقة في العالم دفعت تلك الدول لمتابعة تلك التحولات الطبيعية بقلقٍ وذهولٍ بالغين، خاصة وأن البشرية لا تزال تعاني من الاستحقاقات والآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الناجمة عن تفشي فيروس كوفيد ١٩، وما فتئت بعض الدول تخفّف من آثار تلك الجائحة الخطيرة، وخاصة بعد زوالها، حتى توالت كوارث أخرى غير متوقعة لا تقلّ فداحة عنها، ولاسيما في تأثيرها المباشر على الاقتصاد العالمي.
إن ما تركه المناخ من عوامل صعبة ومعقدة زاد من صعوبة الوضع الاقتصادي العالمي، وخاصة في القارة الأوروبية التي تشهد موجة جفاف حادة لم تحدث منذ خمسة قرون على أقل تقدير، إذ أدى تراجع معدل هطول الأمطار إلى الانخفاض الحاد في مستوى المياه في أنهار كانت غزيرة وقوية، بل هي أنهار أشبه بالبحار مثل نهر الراين ونهر ألبا في ألمانيا، ونهر لوار، وأدور، ونهر أوب، ونهر إيزري، ونهر الباراين، ونهر الرون في فرنسا، ونهر الطونة (الدانوب) في صربيا، ونهر بو في إيطاليا، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصناعة والشحن التجاري عبر الأنهار والطاقة والإنتاج الزراعي والحيواني.
على الجانب الآخر من العالم، تعاني العديد من الدول كوارث طبيعية لم تكن قد مرت بها في السنوات الأربعين الماضية، حيث تواجه منطقة القرن الإفريقي كارثة جفاف هي الأسوأ في تاريخها، ففي الصومال وحدها، تعاني أكثر من تسعين بالمائة من مناطق البلاد بشدّة، من آثار الجفاف. وقد تسبّبت الفيضانات والسيول التي نجمت عن الأمطار الموسمية الغزيرة بمقتل أكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين شخصاً، وإصابة وتشريد الآلاف في أكثر من دولة في العالم، وما حدث في الهند والباكستان كان خير مثال.
مقابل كلّ ذلك، كشفت العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير الإعلامية أن وكالات الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الدولية تعاني نقصاً حاداً قياسياً في تمويل المساعدات الإنسانية للبلدان المحتاجة في جميع أنحاء العالم. فقد ذكرت إحدى الدراسات المتخصّصة حول المساعدة الإنسانية العالمية لمبادرات التنمية أن الأموال التي تنفقها الدول والحكومات، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والجمعيات العالمية على المساعدات الإنسانية العالمية، انخفضت بمقدار مئتين وأربعة وثمانين مليون دولار أمريكي، أي ما نسبته ١،٢% العام الماضي.
وقد خفضت الحكومة البريطانية إجمالي التمويل للشؤون الإنسانية بنحو الثلث، وجمّدت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جزءاً كبيراً من أموال المعونات والمساعدات الخارجية التي وافق عليها الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، ما أوقف قدرة الوكالات على توزيع ما قدّر بملياري دولار إلى أربعة مليارات دولار.
ومع اندلاع الحرب الساخنة في أوكرانيا مطلع العام الجاري، وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأوروبي، اهتمامها لتمويل النظام الأوكراني كي يعزّز من قوتها وتحمّلها في مسعى من تلك الدول لإفشال خطط روسيا التي تدافع عن أمنها القومي الاستراتيجي، ولكن كانت النتيجة تضرّر وكالات الإغاثة العالمية التي زادت معدلات التراجع في تمويلها وخفضت من مستوى عملها، مما سيؤدي بلا أدنى شك إلى منع تلك الوكالات من القيام بمهماتها في إغاثة المحتاجين والفقراء الذين يعيشون في مدن تغرقها الفيضانات والسيول واضطراب المناخ.