التضخم التعليمي يفسد مخرجات جامعاتنا!! آن الأوان لإغلاق بعض التخصصات وافتتاح أخرى جديدة مطلوبة في سوق العمل؟
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
تلجأ العديد من دول العالم إلى تعليق القبول في التخصصات الجامعية التي لا يجد خريجوها وظائف في سوق العمل، ويتم في ذات الوقت العمل على افتتاح تخصصات جديدة مطلوبة في السوق لتلبية احتياجاته، وهذه هي المعادلة الصحيحة برأي أهل الشأن وخبراء الاقتصاد والمشاريع التنموية، فالتعليم هدفه منح المتعلم حصيلة علمية وحق العمل بشهادته حسب تخصصه، وإلا ما نفع الأموال التي تُنفق على تخصصات لا قيمة عملية لمخرجاتها بمعنى غير قابلة للصرف بسوق العمل؟.
ما سبق يحتم على جامعاتنا أن تكون أكثر قدرة على التنافسية من خلال مجاراة التطور التكنولوجي الحاصل في العالم، والبداية الصحيحة تكون من ترشيد الاستيعاب في الجامعات، وإجراء دراسة دقيقة لواقع التخصصات الجامعية ومدى حاجتنا لها، فواقع الحال يشير إلى معاناة جامعاتنا من التضخم الأكاديمي الناتج عن استمرار القبول في تخصصات لم تعد مطلوبة في سوق العمل، بعد أن كثر عدد الخريجين فيها وباتوا عاطلين عن العمل، الأمر الذي يُحتم البحث عن تخصصات جديدة يريدها السوق، وبضرورة إعادة النظر بجدوى مخرجات كلياتنا الجامعية والمعاهد التقانية، فاستمرار تفريخ الخريجين ورميهم على قارعة طريق البطالة يُحدث خللاً كبيراً له منعكسات خطيرة وسلبية.
في الصين مثلاً أفادت سلطات التعليم في مقاطعة “آنهوي” بشرق الصين أنه سيتم تعليق التخصصات الأكاديمية في جميع الكليات والجامعات ما لم يجد “عددٌ كاف من خريجيها فرص عمل أو يلتحق ببرامج الدراسات العليا”، وبحسب الخبر من المتوقع أن تحذو عدد من السلطات الإقليمية الأخرى حذو سلطات التعليم في مقاطعة آنهوي بعد أن بلغ معدل البطالة رقماً قياسياً.
ماذا لو؟
على خلفية هذا الخبر طرح الدكتور وائل معلا سؤالاً هاماً: أي تخصصات ستكون مرشحة للإغلاق في جامعاتنا فيما لو طبق مثل هذا القرار لدينا؟.
هذا السؤال أثار ردود فعل عديدة من قبل أساتذة جامعيين وطلبة الجامعات في ظل الوضع الحالي لمخرجات جامعتنا التي تستمر منذ عقود بإتباع نفس أسلوب القبول دون دراسة دقيقة لجدوى مخرجات الكليات الجامعية مما أدى إلى كساد بين الخريجين الذين فقدوا فرص العمل لأن بعض تخصصاتهم لم تعد مطلوبة في السوق.
الدكتور معلا أكد أن هناك اختصاصات لا تقاس قيمتها بفرص التشغيل بعد التخرج، كالفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية، وفائدتها في بناء الفكر والمجتمع غير مباشرة ولا تقاس بحاجة سوق العمل إليها.
بأمس الحاجة
برأي الدكتور عامر مارديني أن سورية ووفقاً لمخرجات الجامعات نحن بأمس الحاجة لإجراء دراسات للإضاءة على واقع العلاقة بين التعليم في جامعاتنا وسوق العمل بهدف التعرف على الاختصاصات التي يتطلبها ويحتاجها سوق العمل الذي لم يعد يرضى بأي شهادة، وبيّن مارديني، أنه حتى لو استطاع المعنيون إجراء هذه الدراسة، لكن تبقى المشكلة في اتخاذ القرار فيما يخص إيقاف أو تعليق بعض التخصصات العلمية لأسباب عديدة، مشيراً إلى وجود العديد من الاختصاصات التي يمكن أن تتحول إلى تعليم عبر الشابكة والاستفادة من مواقعها وأبنيتها لاختصاصات أخرى نحن أكثر حاجة إليها ما دمنا نستوعب جميع حملة الثانوية في مؤسسات التعليم العالي.
تصدير العقول!
الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية السورية لا يعتقد أن أي تفكير في إغلاق اختصاصات أو فتح اختصاصات جديدة في جامعاتنا سيكون مجدياً أو له تأثير على منظومة عملنا، وإنما سيقتصر مجال تأثيره فقط (سلباً أو إيجاباً) على عملية “تصدير العقول” إلى خارج سورية، في ظل منظومة عمل غير مبنية على قواعد ومعايير تنموية وإنتاجية واقتصادية صحيحة سواءً في القطاع العام أو الخاص.
ثنائية القلق!
بينما ترى الدكتورة صفاء أوتاني أن إغلاق بعض التخصصات في الجامعات السورية يضعنا أمام ثنائية تثير القلق؛ شقها الأول يتعلق بنوعية الخريجين وعددهم، أما الشق الثاني فيتعلق بسوق العمل السوري الذي يعانى من (اختلالات بنيوية) تتمثل بعدم التوافق بين عرض العمل والطلب عليه، وأيضاً يعاني من (اختلالات قطاعية) تتجلى باختلاف توزع قوة العمل على قطاعات الاقتصاد، يضاف إلى ذلك هجرة الكثير من الكفاءات والخبرات خلال سنوات الحرب أكثرهم من الأطباء والمهندسين ومعلمي الحرف وغيرهم، مؤكدة أن مخرجات جامعاتنا ما زالت بعيدة عن حاجات السوق الفعلية.
وبينت “أوتاني” أن تنظيم سوق العمل السوري يحتاج إلى مسح شامل من أجل تشخيص أوجاعه للوصول إلى مؤشرات رقمية وبيانات وإحصائيات شاملة تقدمها دراسات موثوقة نستطيع من خلالها سبر الاحتياجات وتوجيه السياسات التعليمية في ضوئها بما يسهم في إعادة إعمار ما هدمته الحرب.
إجراء سليم
واعتبر الدكتور وعد عمران إن تعليق القبول في بعض التخصصات أو إغلاقها هو إجراء سليم كون سياسة التعليم مرتبطة بسياسة التنمية وحاجة سوق العمل مما يتطلب تفاعل مابين الطرفين من خلال إتباع أنظمة تعليم مرنة، وبرأيه هذا محقق بشكل جيد في التعلبم التقاني والكليات التطبيقية في جامعاتنا.
غير صائب!
على الطرف الآخر هناك من يرى أن الإقدام على إلغاء بعض التخصصات هو إجراء غير صحيح من منطلق أن التعليم حق لكل إنسان وبالاختصاص الذي يرغب، وليس من مهمة السلطات التعليمية حرمان الطلاب من هذه الفرص، بل عليها أن تقديم إحصائيات تساعدهم في اتخاذ القرار بالنسبة للتخصص وعلاقته بسوق العمل، ويؤكد البعض أن التطور التكنولوجي المتسارع قادر أن يلغي العديد من الاختصاصات على الأقل بشكلها الكلاسيكي الحالي.
إعداد الخريجين
ومن وجهة نظر الدكتور مهند نوح “ليس من مهمة السلطات التعليمية تقصي سوق العمل، بل مهمتها إعداد الخريجين إعداداً مناسبا له وتبقى مسألة العمل مسألة قدرات ومنافسة وتوفيق، والمهم أن يكون السوق شفافاً ويؤمن تكافؤ الفرص والمنافسة السليمة بين القوى العاملة” وبرأيه أن إغلاق التخصصات مسألة عبثية لان التعليم واختيار كل إنسان للتخصص الذي يرغبه حق من حقوقه في التعليم.
بالمختصر، نحتاج اليوم لتشخيص دقيق للتخصصات التي تُدرس في جامعاتنا، بعد أن بات العديد منها غير صالح لسوق العمل، وفي ظل حاجتنا لتخصصات جديدة أكثر طلباً في مرحلة إعادة الاعمار، الأهم أن نحسن التخطيط الاستراتيجي السليم المناسب الذي يطور مخرجات التعليم العالي ليقوّي من حضورها في سوق العمل.