مجلة البعث الأسبوعية

على مبدأ “لا يفنى الذئب ولا يموت الغنم” هل ينجح التسعير الإداري في إنصاف التاجر والمنتج والمستهلك معا؟.. فضلية لـ”البعث”: صحيح ولكن بشكل مؤقت

 “البعث الأسبوعية” مادلين جليس

“بالع الموس ع الحدين” بهذه العبارة يمكن أن نصف حال المواطن السوري الذي بات وبكل معنى الكلمة ” الحلقة الأضعف” في كل ما يخص البيع والشراء والأسواق، وعلى الرغم من اتباع نظام التسعير المركزي لكثير من السلع والمواد التي تسعى الدولة لأن تبقى متدخلة فيها، – تدخلاً لصالح الشريحة الأضعف والأكثر فقراً وهي ذوي الدخل المحدود- إلا أن هذا التسعير الجزئي لم يعد كافياً، وبتنا أمام عدة حلول، أحلاها مر، فما الحل المنصف ليكون المواطن قادراً على الشراء، والتاجر قادراً على الاستيراد، والصناعي قادراً على الإنتاج؟، وما الآلية التي ستتّجه لها الحكومة، بحيث تضمن رضا وإنصاف جميع هذه الأطراف على مبدأ “لا يفنى الذئب ولا يموت الغنم”؟

هل هو الحل؟

بداية لابد لنا من تعريف التسعير الإداري، فهو بمختصر القول: السعر الذي تضعه الجهات الحكومية المختصة، وهي في سورية لجنة التسعير المركزية المشكّلة من الوزارات بموجب المرسوم رقم 8 لعام 2021، التي تجتمع لدراسة تكاليف مستوردات منتجات القطاع الخاص من المواد السلع الأساسية، وهذه اللجنة تضم في عضويتها ممثلاً عن كل من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ومديرية الجمارك العامة، مصرف سورية المركزي، وممثلي اتحاد غرف التجارة والصناعة.

يرى اقتصاديون أن موضوع التسعير الإداري من الممكن أن يكون حلاً ناجعاً في هذه الفترات، طارحين فكرة مفادها أنه لا يمكن ضبط جشع التجار إلا من خلال إلزامهم بتسعيرة موحدة، وفرض عقوبات شديدة ورادعة على المخالفين منهم.

فمن جانبه تساءل الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، عن آلية تطبيق التسعير الإداري على جميع المواد، وعن إمكانية أن تكون عادلة، وهل التسعير الإداري هو لحماية للمستهلك؟ وهل يمكن أن يكون دستور للبائع والمنتج والمستورد معاً؟.

الإجابة بحسب الخبير نعم، من الممكن أن يكون التسعير الإداري لفترة ما وبأحسن الأحوال صحيحاً، وحتى قريباً من الواقع، لكن ذلك في حالات عندما تكون الأمور مستقرة نسبياً، من حيث استقرار للقطع الأجنبي، في السوق السوداء والسوق النظامية، واستقرار بالنسبة للأسعار الأولية سواء المصدرة أو المستوردة، إضافة إلى الاستقرار بالنسبة للسلع التي تعنى بها الحكومة استيراداً وتصديراً والمواد المنتجة محلياً.

ويضيف فضلية: إن السعر الإداري يكون صحيحات في حالات الاستقرار المذكورة سابقاً ، لكنه يبقى خطاً -يمكن أخذه بعين الاعتبار- في الأوقات الحالية، عندما يوضع السعر ” فيما لو كان صحيحاً وموضوعياً وسليماً ومرضياً” حينها سيلتزم به البائع والمنتج، وسيكون المستهلك آخذاً حقه.

لكن التساؤل الذي يطرحه الخبير: بعد وضع هذه الأسعار اليوم، هل استقرت الأوضاع ؟

إذاً لو كانت مستقرة سيكون السعر منطقياً وقريباً من الواقع وتستطيع اللجان الحكومية أن تضع سعراً إدارياً، ولكن من وجهة نظره عناك تخلخل في الوضع سواءً لدينا أو في دول الجوار أو في الدول التي نصدر إليها أو نستورد منها، والأنكى أنه وفي ظل الحرب الإرهابية التي نعاني منها على المستوى السياسي والإقليمي، والعقوبات، لن يكون هذا التسعير منطقياً ولا منصفاً برأيه.

الأمر ذاته يراه الصناعي تيسر دركلت الذي يؤكد أنه لا يمكن للتسعير الإداري أن يحل مشكلة ارتفاع الأسعار، لأن السوق برأيه متغير، وتغيراته سريعة بسبب تغير سعر الصرف وتغير التكاليف والقرارات، ففي هذه الحالة فإن التسعير الإداري غير قادر على مواكبة هذه الأسعار كما يرى.

التغيرات.. تفشّل الحل

يتطرق الدكتور عابد فضلية إلى التغيرات التي أشار لها الصناعي الحلبي، حيث أنها كما يقول ستؤثر حتماً على التكلفة، وبالتالي ستؤثر على أسعار السلع ارتفاعاً أو انخفاضاً، والغالب برأي فضلية هو الارتفاع، فهل ستستطيع اللجان دراسة أسعار جديدة للمواد فور حدوث التغير؟

يرى فضلية أنها حتماً ليست قادرة على ذلك فالأمر يحتاج لدراسة الأسعار والتكاليف، وفي سياسة وزارة التجارة الداخلية يتم النظر بقائمة الأسعار الإدارية الموضوعة كل ١٥ يوم ولكن المتغيرات التي أشرنا لها سابقاً “والكلام لفضلية” قد تحدث في اليوم التالي لوضع الأسعار وهنا لا يكون السعر منطقياً ولا عادلاً.

لا يمكن خفض الأسعار

ويتابع فضلية: قرأنا في قائمة الأسعار كثيراً من الأسعار الإدارية أقل بكثير من المنطق الطبيعي، وبنفس الوقت هناك أسعار لمواد فوق المنطق الطبيعي وتباع بالسوق بسعر أقل، وهذا يدلل على أن الحكومة اليوم غير قادرة على ضبط الأسعار، وهذا برأيه كمن يقول: نضع “اسعاراً ونطالب بخفضها”، ولكن لا يمكن خفض الأسعار أقل من التكلفة.

ويرى الخبير أنه في حال وضع سعر يساوي التكلفة، فمن مصلحة المنتج أن يستمر بالإنتاج انتظاراً لارتفاع الأسعار، أما في حال وضع سعر أقل، فسيخسر المنتج ولو استمر بالخسارة لفترة طويلة، فسيكون أمام مقارنة، إما الخسارة بسبب الإنتاج، أو الخسارة بسبب التوقف، وهنا يفاضل بين الأقل ضرراً له وقد يصل إلى توقف الإنتاج في المعمل أو المصنع الذي يديره. وفي هذه الحال فالخسارة تجاوزت الشخص، كما يرى فضلية أننا سنكون أمام مشكلة تمس الاقتصاد وتمس العمال الذين يعملون لدى هذا المنتج.

هذا الوضع ليس من مصلحة الاقتصاد الوطني ولا الجهات الحكومية، أي أن يكون القطاع المنتج خاسراً، والكلام لفضلية، ولذلك فهي “أي الجهات الحكومية” تحاول دائماً وضع سعر إداري يوازن بين التكلفة وبين نسبة من الربح.

الدقة والموضوعية.. ميزان الحكم

بالتالي فإننا لا نستطيع الحكم على الأسعار الإدارية والتسعير الإداري إلا بمقدار موضوعيتها ودقتها واقترابها من الحالة الواقعية، بالنسبة للجميع للبائعين والمستوردين والمنتجين.

في هذه الحالة نستطيع بل ويجب أن نفرض على هؤلاء تطبيق التسعيرة الإدارية”إذا كانت فعلاً تقترب من الدقة والموضوعية” كما يؤكد الدكتور فضلية.

ومع ذلك فهناك مشكلة في التسعير الإداري عموماً في أي دولة في العالم، وهي برأي الدكتور عابد فضلية، وجود بعض المصاريف المستورة أو المصاريف الإضافية غير الرسمية وغير المعلنة والتي بسببها لا يمكن وضع سعر دقيق.

وبرأيه فإن مسألة التسعير الإداري مسألة صعبة للغاية، ولا يحسد أي عضو في لجان وزارة التجارة الداخلية الخاصة بالتسعير على هذه المهمة الصعبة والمعقدة، والتي تحتاج إلى عشرين ضعفاً من الأعداد التي تعمل في التسعير كما أنها تحتاج إلى بيانات ومعلومات، لكي تضع السعر الدقيق.

لابد من الفوترة

ولكي يكون التسعير الإداري صحيحاً وفي الاتجاه الصحيح، هناك بعض الأمور والإجراءات التي تساعده، ويعدد الدكتور فضلية بعضاً منها، أولها برأيه: الاتجاه إلى نظام الفوترة، التي يساعد في وضع سعر إداري صحيح. وبالمقابل لا يمكن أن يكون التسعير صحيحاً إذا ما أهمل المصاريف والتكاليف غير المنظورة والتي لا يمكن إعطاء فواتير بها.

أما الأمر الآخر المساعد في التسعير الصحيح برأي فضلية فتتمثل بالأسعار التأشيرية للاستيراد، إذ  من مصلحة القطاع الخاص (المنتج والتاجر)، أن تكون الأسعار منخفضة لكي يستطيع أن يضع ربحاً معقولاً بالنسبة له، وبذلك يكون هذا الربح مع التكلفة مقبولاً للمستهلك، وهذا حتما سينعكس على زيادة الطلب على المواد والمنتجات التي يصنعها.

يضاف إلى كل ما ذكر سابقا، أن يكون هناك رقابة فعالة، فهي ضرورية جداً شرط أن تكون الأسعار الإدارية الموضوعة للسلع التي يتم مراقبتها قريبة إلى المنطق والواقع.

ارفعوا الرواتب

أما الصناعي الحلبي دركلت فيرى أن معالجة ارتفاع الأسعار قد تكون من ناحية أخرى، إذ  أن المشكلة الأهم التي بسببها تلجأ الدولة للتسعير الإداري هي ضعف القدرة الشرائية للمواطن، ومن المعروف أن ضعف القدرة الشرائية سببه التضخم، ولذلك يؤكد أنه إذا ما أرادت الحكومة حلاً مناسباً فعليها أن تصب اهتمامها كله على رفع الرواتب وضخ أموال جديدة عن طريق القروض وخفض الفوائد على القروض وتخفيف الضمانات.

وكما يرى أن الكتلة النقدية المتداولة حالياً لا إضافة عليها، لذلك يقترح ضخ كتلة نقدية، إما عن طريق التصدير أو ضخ أموال جديدة، وهذه الأموال هي زيادة الرواتب وخاصة أن أجور الموظفين اليوم لا تكفي إلا للأيام الخمسة الأولى من الشهر، ولذلك يؤكد أنه ومن واجب الحكومة أن تهتم أولا بزيادة الرواتب والأجور ومن ثم تتجه للمحاسبة.

التجار معه.. بشرط!

الاتفاق على التسعير يبدو واضحاً لدى كل الأطراف، لكن الاختلاف يكمن في مراعاة مسببات ارتفاع الأسعار ووضع الأسعار الإدارية  بناء على هذه المسببات.

مناصرة بعض التجار للتسعير الإداري تتوضح لدى قلة منهم، فالبعض الآخر يرى فيه ظلماً وإجحافاً للتاجر، خاصة أن الأسعار التي توضع اليوم لا يراعى فيها تكاليف الشحن والرسوم الجمركية وغيرها.

لكن الأمر مختلف لدى التاجر علي أصلان الذي يقول بأن التجار مع ضبط الأسعار فهي أفضل للصناعي والمنتج البسيط والمتوسط والكبير ولتاجر جملة الجملة أو الجملة، لكن برأيه أن المشكلة ليست فيما  ذكروا سابقاً، إنما في ضبط الأشياء التي تتسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج وأولها حوامل الطاقة والدولار، إضافة إلى الرسوم والجمارك والنقل والضرائب ثانياً، والتي تحسب على حجم المبيعات وليس على الأرباح والخسائر.

والأهم من ذلك كله، كما يقول أن يكون هذا التسعير منطقياً وعادلاً لهم، وإلا فلن تستطيع الحكومة إلزام الجميع به، فكثير سيلجأؤون إلى رفع الأسعار والتلاعب بها في حال لم تنصفهم الأسعار الإدارية التي وضعتها الحكومة.

الحل الأمثل.. والأوحد

التسعير الإداري هو الحل الأمثل والأوحد لضبط الأسعار ومنع التلاعب بها بحسب مايرى نضال مقصود مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فلجنة التسعير المركزي تدرس تكاليف المواد والسلع الأساسية وغير الأساسية على أساس بيانات التكلفة التي تقدم إليها، فتقوم بدورها بتدقيق بيانات الكلفة لكل مادة، ومن ثم يتم جمع هذه اللبيانات وإخضاعها لنسب الأرباح النافذة كل على حدا. وهذا على عكس ما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فضلية، أن لجنة الأسعار لن تستطيع دراسة بيانات التكلفة بشكل شبه يومي بسبب صعوبة العملية، فإن مدير الأسعار يؤكد أن أي متغير في بنود التكلفة مهما كانت المدة الزمنية عن صدور الصك السعري يتم إعادة النظر ببيان الكلفة المقدمة عنه ودراسته ضمن اللجنة وإعادة إصدار صك سعري ناظم له وفق التكاليف الفعلية لذات اليوم.