ما مصير المواسم المقبلة مع نقص وارتفاع ثمن السماد.. فلاحون “يقننون” وآخرون “يعتكفون”!
دمشق – ريم ربيع
لا يبدو أن المستقبل القريب لتأمين السماد اللازم للمحاصيل مبشراً بأي حال، فالارتفاع العالمي بسعر المادة والمترافق مع انخفاض الإنتاج، زاد من انعكاساته محلياً التضييق على استيراد الأسمدة الذي طال القطاع الخاص كما العام، وذلك حسب ما كشفه رئيس الحكومة في لقائه الأخير مع العمال، إذ بين أنه بعد عجز القطاع العام خلال العام الماضي عن الاستيراد وسد جميع المنافذ بوجهه، توجه للخاص الذي يملك مرونة أكبر لتأمين الاحتياج، إلا أن السفن أيضاً مُنعت من الوصول، ليتم أخيراً التوصل لتفاهم مع صربيا لتأمين أحد أنواع السماد الذي نحتاجه محلياً وفق مبدأ المقايضة.
أزمة السماد، التي كان آخر ما حرر فيها رفع الدعم عن المادة، زادت بشكل كبير من تخوفات الفلاحين الذين لا يدخرون مناسبة للسؤال عن مصير أراضيهم ومحاصيلهم، فيما أعلن الكثير منهم توقفهم عن العمل بالزراعة تحسباً لـ”المفاجآت غير السارة”، الأمر الذي عرج عليه رئيس الحكومة بقوله: “أعتقد جازماً أن ترك الأراضي الزراعية واللجوء للوظيفة أمر يحتاج إعادة نظر، فنحن نحتاج اليوم لزيادة الأراضي والمساحات المزروعة والإنتاج الزراعي”، إلا أن هذه الأزمة لم تقتصر على الجانب المحلي فقط، حيث تحذر المنظمات الدولية كما الخبراء من أزمة غذاء مقبلة سببها ضعف إنتاج وتوريد الأسمدة.
“تقنين” الزراعة
الخبير الاقتصادي، الدكتور علي محمد، أوضح أن أسعار الأسمدة ارتفعت عالمياً نظراً لارتفاع سعر الغاز، حيث يشكل الغاز نحو 90٪ من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية مثل الأمونيا وسماد اليوريا، وقد تضاعف سعر الغاز عالمياً بشكل تدريجي منذ منتصف العام 2021 بنحو 15 ضعفا، ليبلغ الآن سعر الميغاواط ساعي من الغاز نحو 300 يورو مقارنة بـ 20 يورو خلال السنوات السابقة، مضيفاً: هذا الارتفاع الكبير أثر على قدرة معامل الأسمدة في أوروبا وعلى قدرتهم على الاستمرار، حيث توقفت بعض معامل الأمونيا على سبيل المثال بنسبة كبيرة جداً، فيما استمر البعض الأخر بالإنتاج لكن بنسب متدنية قد يصل لثلث الطاقة الإنتاجية لديها، وهذا الكلام ينطبق على معامل في النرويج، وايطاليا وفرنسا والمجر.
وبسبب كل ما سبق ذكره ومع وجود العقوبات على روسيا، المصدر الرئيسي الأول للأسمدة والبوتاس في العالم – كما أوضح محمد – فإن أسعار الأسمدة عالمياً شهدت ارتفاعاً يقدر بـ 3 أضعاف منذ بداية العام 2021 لغاية الآن، لذا فإن العالم يشهد انخفاض استخدام الأسمدة لارتفاع أسعارها، مما سينتج عنه انخفاض الإنتاج الزراعي في كافة الدول لاسيما أفريقيا، وبالتالي طفرات بأسعار المواد الغذائية مستقبلاً، لذا سيكون تأثر سورية كما غيرها بهذه الأزمة سواء لجهة النقص أو ارتفاع الأسعار، خاصةً أنه ليس لدينا معامل كبيرة لإنتاج السماد، وكل الحاجة تقريباً هي استيراد، ومع عدم تقديم المصرف الزراعي لدعم السماد وبيعه بالأسعار العالمية، سيختصر الفلاح ولن يشتري مما سيخفض الإنتاج الزراعي لاحقاً.
سوق رائجة
الخبير الزراعي، المهندس عبد الرحمن قرنفلة، بيّن أن النقص الحالي محلياً يشمل سماد اليوريا بشكل أساسي، أما باقي الأنواع فهي متوفرة، موضحاً أنه كان يتم تأمين اليوريا من المعمل الموجود في حمص، والذي توقف منذ فترة لإجراء عمليات الصيانة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الإنتاج فيه، ومن المتوقع إعادة إقلاعه قريباً ومعالجة أزمة اليوريا.
وأوضح قرنفلة أنه يتم استيراد عدة أنواع من السماد وهي متوفرة بالأسواق المحلية، رغم أن أسعارها تتأثر بالسعر العالمي وبسعر الصرف، لافتاً إلى أن الكثير من المزارعين لجؤوا إلى السماد العضوي كبديل عن الأسمدة الكيميائية، وأصبحت له سوق رائجة وكبيرة جداً وهي آخذة بالاتساع تدريجياً، غير أنها لا تغطي كامل الاحتياج والمساحات المزروعة، علماً أن استخدامها أفضل للنبات والمنتج الزراعي، حيث تتطور الزراعة العضوية الخالية من السماد الكيماوي والمبيدات الزراعية في الكثير من دول العالم لأهميتها وفعاليتها.