في حضرة الموت المجاني بحي الفردوس.. أكثر من 10 آلاف مخالفة بناء في حلب!
حلب – معن الغادري
طالما حذرنا من الواقع الخطر والكارثي للأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط في حلب، والأبنية المخالفة والمشادة حديثاً، وطالبنا غير مرة بضرورة اتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة وفورية لضمان السلامة العامة، تجنباً لوقوع حوادث بشرية وكوارث إنسانية مفجعة والتي لم يكن أولها انهيار مبنى سكني في حي الفردوس يوم أمس فوق رؤوس قاطنيه والذي راح ضحيته 11 مواطناً بريئاً، وخلف إصابات وأضراراً جسدية عدة، إلا أنه وللأسف بقي هذا الملف على أهميته وأولويته الساخن مؤجلاً ومرحلاً من عام إلى عام، ومركوناً في الأدراج دون أي شعور بالمسؤولية من قبل المعنيين الذين اعتادوا تقاذف المسؤولية واتخاذ خطوات استباقية لإبعاد شبح الموت عن المواطنين الأبرياء والفقراء الذين دفعهم العوز والحاجة إلى الاحتماء بجدران متصدعة والالتحاف بأسقف متهالكة وآيلة للسقوط في أي لحظة!.
لا شك أن فاجعة انهيار المبنى السكني، وما سبقها من حوادث مشابهة خلال السنوات السابقة في عدد من أحياء حلب القديمة وما نتج عنها من خسائر بشرية مؤلمة، يفتح الباب مجدداً على مصراعيه أمام الكثير من الأسئلة غير المفهومة حول طبيعة المهام المنوطة بمجلسي المحافظة والمدينة، وبلجنة السلامة العامة.
المهندس أحمد رحماني نائب رئيس مجلس المدينة، لفت النظر إلى قضية خطيرة جداً لا تحتمل التأجيل والتدوير، أن ثلث مساحة حلب منطقة مخالفات، وهي بحاجة ماسة إلى معالجة عبر إجراءات جذرية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة، ولاسيما إذا ما علمنا أن هناك أكثر من 10200 مبنى سكني مخالف ممتد على هذه المساحة، مضيفاً أن هذا الأمر لا يبرر وجود تقصير وربما أكثر من ذلك، وبالتالي المحاسبة هنا واجبة وضرورية، خاصة أن الأمر يتعلق بمواطنين أبرياء، دفعتهم الحاجة للسكن في هذه الابنية بالرغم من خطورتها.
ويضيف رحماني أنه تم تشكيل اليوم لجنة للتحقيق بملابسات انهيار المبنى وبيان أسباب الانهيار وتحديد عمر البناء وكافة الملابسات المتعلقة به وتقديم تقريرها خلال 24 ساعة، وفي ضوء نتائج التحقيق ستكون المعالجة والمحاسبة.
كلام رحماني قابله مطالبة من الأهالي القاطنين في مناطق السكن المخالفة، بضرورة تدخل حكومي وعلى أعلى مستوى لوقف هذا النزيف المتزايد في الأرواح، وهنا نجدد مطالبتنا بضرورة الإسراع بإجراء تقييم دقيق للمناطق والأبنية المتضررة والمهددة بالانهيار، خاصة في المناطق التي تضررت جراء الإرهاب، والقيام بعملية إخلاء فورية للسكان القاطنين في هذه المناطق، وتأمين سكن بديل مؤقت لهم لحين إجراء عمليات الترميم والتأهيل، وبما يكفل لاحقاً إزالة الأخطار المحدقة، ومنع تكرار وقوع مثل هذه الحوادث المؤلمة التي خلفت الكثير من الألم والحزن والأسى فى نفوس الجميع.
وبموازاة ذلك قال بعض المتابعين والمهتمين بالشأن الخدمي: إنه بات لزاماً على الحكومة وفي ظل اتساع دوائر الفساد الإداري والمالي في حلب، وعجز الجهات المعنية على مكافحته واجتثاثه، التدخل الفوري وفتح تحقيق شفاف، ومحاسبة كل من له علاقة بهذه الفاجعة البشرية الثامنة عدداً في غضون السنوات الخمس الماضية، مشيرين إلى إن حادثة الأمس يجب أن لا تمر مرور الكرام كسابقاتها، وبالتالي لا بد من تحديد المسؤولية المباشرة، بدءاً من مجلسي المحافظة والمدينة، مروراً بلجنة السلامة العامة، وليس انتهاءً بالمديرية الخدمية المشرفة على الحي، خاصة بعد التأكيد بأن البناء المنهار أشيد قبل سنتين، أي أنه لا يندرج ضمن الأبنية المتضررة والآيلة للسقوط، ما يستدعي البحث والتدقيق في ملف البناء الهندسي والإنشائي، وكشف من وراء إشادة هذا البناء، المخالف أصلاً، فهل يعقل أن يشاد بناء مؤلف من خمسة طوابق بغفلة عن مجلسي المحافظة والمدينة ولجنة السلامة العامة والمديرية الخدمية المختصة، سؤال نضعه برسم الحكومة، وليس أي جهة أخرى، لعدم ثقتنا بالتبريرات والحجج الصادرة عن المحافظة.
خلاصة القول: إن حادثة انهيار المبنى السكني على رؤوس قاطنيه، كشفت المستور والمستخبي، من حالات فساد عشعشت في نفوس البعض قبل أن تفوح رائحتها في أروقة منظومة العمل الخدمي والمؤسساتي، وهو الخطر بعينه سيداهم الجميع دون استثناء، إن لم تبادر الجهات الأعلى – صاحبة القرار – في ضرب الفساد والفاسدين بقبضة من حديد، وما أكثرهم في حلب، والتي لم تعد تحتمل مزيداً من الموت المجاني.