ميادة سليمان: على كاتب الأطفال أن يكون طفلاً من الدّاخل
ليندا تلي
أديبة وكاتبة للأطفال، نالت شهادات تكريم في مسابقات أدبية متنوعة، لها العديد من المؤلفات المطبوعة والدراسات النقدية في الومضة، والقصّة القصيرة جداً، والخاطرة، والشعر، والرواية، ومجموعات شعريّة، وقصصيّة، إنها الأديبة ميادة سليمان التي التقتها “البعث” فكان هذا الحوار:
كيف نشأ أدبُ الطّفل وما المطلوب منه لمواكبة التطور الإلكتروني حالياً؟
يعود أصل أدب الأطفال إلى القصص والأغاني التي كان الآباء ينقُلونها إلى أبنائهم شفوياً، وكان من الصّعب تتبّع أصل أدب الأطفال قبل اختراع الطّباعة، ففي القرن الخامس عشر حملَ رسالة أخلاقيّة، وعُرف أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين باسم “العصر الذّهبيّ لأدب الأطفال” لأن العديد من كتب الأطفال الكلاسيكيّة نُشرت آنذاك. أما اليوم فلا بد من مواكبة التّطوّر الإلكتروني لأن ظروف الحياة تغيّرت مع دخول التّكنولوجيا التي ينبغي التّعامل معها بحذر، ولاسيّما ما يخصّ الأطفال.
هناك من يستسهل كتابة قصص الأطفال.. ما أثر هذا على الطفل وعلى الأدب؟
عانينا، ونعاني كثيراً من الاستسهال، أحياناً يرسلُ البعض لي كتابات، فأقرأها باستغراب، بسبب الأسلوب الّذي يتّبعه الكاتب، وكلُّ اعتقاده أنّه أتى بما لم يأتِ به غيره، وعلى هذا محالٌ أن يتقبّل رأيك، وقد يعتبره غيرةً أو حسداً أو حقداً، وطبعاً هذا الاستسهال سيخلق فوضى أدبيّة، وسيتمّ طرح أعمال لا ترقى لمستوى تعليم الطّفل، أو تنشئته، وتثقيفه، وإمتاعه، واللوم يقع على دور النّشر.
وما المطلوب من الكاتب ليكون كاتب أطفال بحق؟
يحتاج أن يكون طفلاً من الدّاخل مهما تقدّم به العمر، وهذا الأمر لا يتأتّى إلّا لقلّة قليلة من الكُتّاب وهبهم الله هبتَين: (النّقاء والإبداع)، إضافة إلى مقدرة الوصول إلى الطّفل.
قد يكون هناك أديبٌ موهوبٌ جدّاً، ولكنّه لا يمتلك مقدرة الوصول إلى الطفل، إذ لا بدّ أن يمتلك حسّاً طفوليّاً، وأن يُلمّ بسيكلوجيّة الطّفل، فيعبّر بلسانه، وتفكيره، ومنطقه، ويجب أن يكون ذا أسلوب سلس محبّب وبسيط دونما ابتذال أو سذاجة، وأن يجدّد في الطّرح، والأفكار والأساليب بشكل دائم.
هل القصص التي تكتبينها من صلب الواقع أم تبنينها في مخيلتك؟
أنا أستعينُ بالخيال حين أكتب للأطفال، وفي كلّ ما أكتبه هناك حقيقة تلبس ثوب الخيال، كي أستطيع إيصال الفكرة بشكل مبسّط ولطيف، فمثلاً أردتُ توعية الأطفال بأنّه يجب ألّا نتعامل مع الآخرين بغرور، وعبّرت عن ذلك من خلال فراشتين إحداهما صفراء مغرورة، والثّانية سوداء طيّبة القلب، وفي أحداث القصّة أريتُ الطّفل العبرة في النهاية حين أنقذت الفراشةُ السّوداء الفراشةَ الصّفراء، فاعتذرتْ منها وأحبّتها، وعرفتْ خطأها في الحكم عليها من لونها الأسود.
أمّا أكثر قصّة أثّرت بي فهي “سنو وايت” لأنّ مخيّلتي النّقيّة وفطرتي البريئة كانتا تجعلانني أتساءلُ دوماً: لماذا هناك أشرار، ولماذا تريد العجوز الشّمطاء قتل الفتاة الحسناء؟.
كيف عبّرتِ عن الحرب الأخيرة ومآسيها في كتاباتك؟
طبعاً للتّعبيرِ عما حدثَ في سورية بالنّسبة للطّفل يجب أن نكون أكثر حذراً، فمثل هذا الموضوع قد لا يجذبه لأنّه اعتاد على قصص تُعنى بأشياء مختلفة، ولذلك بداية ما كتبته عن الحرب بشكل لطيف ومحبّب كان من خلال أنشودتي (أنا دانيال)، وفيها أقول:
حرفُ الياءِ
يُنادي الوطنُ:
كُونوا إخوةْ
لا تفترِقوا
دِينَ الإنسانيّةْ
اعتنِقوا
دينَ الخيرِ
دينَ القلبِ الطَّاهرْ
حرفُ الألفِ
أنا سوريٌّ
علَمي جميلٌ
ذُو نجمتَينِ
لا ثالثةَ
اصرُخْ مثلي:
“تلكَ من مُتآمرْ”!
وكتبتُ قصّةَ (من يحمينا ونحن نيام؟)، يردُ هذا الكلام على لسان الأمّ حين يفتقدُ أحد أبنائها لأبيه:
“اسمَعوا يا صِغاري، إنَّ عمَلَ أبيكُم مُقدَّسٌ، إنَّهُ يحرسُ الوطنَ، كي ننامَ آمِنينَ نحنُ والأطفالُ، وجميعُ النَّاسِ. تخَيَّلوا لو لمْ يفعَلْ ذلكَ أبوكُم، ورِفاقُهُ كيفَ سيكونُ حالُنا؟ سنتعرَّضُ لِلخطَرِ والعُدوانِ، نعمْ نحنُ نفتَقِدُهُ بينَنا، ونشتاقُ إلَيهِ كثيراً، لكنَّ أجرَهُ، وثَوابَهُ كبيرٌ عِندَ اللهِ يا أبنائِي”.
هل ترينَ أن هذا النوع الأدبي قد أخذ حقه؟
للأسف لا، رغم أنّه في سورية جيل جديد من كُتّاب أدب الأطفال، إلّا أنّنا نصرّ على تحفيظ الأطفال أسماء محدودة من شعراء طفولة قدماء، وأيضاً لا أعلم ما السّبب؟! وأرجو من قلبي أن نتلافى هذا التّقصير الحاصل بحقّ مبدعي أدب الأطفال الجدد المتميّزين طبعاً.
حبذا لو تخبرينا عن بداياتك، وأهم إصداراتك عامة؟
بداياتي منذ مسابقات روّاد طلائع البعث، من خلال مواضيع التّعبير والخواطر والقصص، أمّا من حيث كتابة الشّعر فكانت في الصّفّ السّابع حين كتبتُ ثلاثة أبيات عن الصّداقة لموضوع تعبير، وأُعجِبت المعلّمة بها، فطلبت منّي أن أكتبها على ورقة، وأملَتها على جميع شُعب الصّفّ السّابع، وبدأ الجميع في المدرسة يعرفونني من خلال تميّزي في اللغة العربيّة، وتفوّقي وإبداعاتي الّتي بدأتُ أصقلها بالمطالعة، واستشارة أبي في كلّ ما أكتب، لأتعلّم من أخطائي.
بالنّسبة للإصدارات، فهي لم تصنع اسمي، لأنّ مرحلة ما قبل طباعتها هي الّتي حبّبت النّاس بأحرفي، ومعظم ما طُبع لي في كتبٍ نُشرَ أوّلاً في صفحتي، وعرفتُ آراء القرّاء من خلال ذلك النّشر، عدا عن الصّحف المحلية والعربيّة الّتي تواكب جديدي وتنشره باستمرار.