هل تركع أوروبا على ركبتيها؟
بعكس ما كانت الدول الغربية تطمح إليه عند قيامها بفرض العقوبات الأحادية الجانب على روسيا على خلفية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، من إخضاع روسيا وجعلها تجثو على ركبتيها أمام هذه العقوبات، أصبح المناخ السائد في أوروبا الآن أن هذه العقوبات هي في حقيقتها عقوباتٌ مخصّصة لإخضاع أوروبا وجعلها هي ذاتها تستسلم أمام روسيا، فقد بدأت تقضّ مضاجع المجتمعات الأوروبية مجتمعة وخاصة مع قدوم الشتاء القاسي الذي سيفرض على الدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً التفكير في جدوى هذه العقوبات، بل عليها أن تفكّر عملياً في الطريقة المثلى للعودة إلى موسكو دون إراقة ماء الوجه، وخاصة أن الحكومات الأوروبية أحرقت جميع المراكب التي تمكّنها من العودة إلى العلاقة مع روسيا مجدّداً.
والحال هكذا فإنه يتعيّن على المسؤولين الأوروبيين التفكير بعقلانية وبطريقة واقعية، وبعيداً عن المكابرة، لإعادة ربط الجسور مع موسكو، وأوّل ما يتعيّن عليهم في هذا السياق، قطع المساعدات العسكرية للنظام النازي في كييف وإعلان البراءة من دعم النازية الجديدة هناك، وهذا طبعاً خيار مؤلم بالنسبة لهذه الحكومات على اعتبار أنها تدرك منذ البداية أنها عادت لاستخدام النازية مجدّداً رأس حربة في صراعها المزعوم مع روسيا، حيث كانت نازية هتلر في الجزء الأكبر منها موجّهة إلى الاتحاد السوفييتي السابق.
كذلك يتعيّن على القادة الأوروبيين التراجع عن الحملات الممنهجة لشيطنة روسيا ونشر مفهوم “روسوفوبيا” في المجتمعات الأوروبية، لأن هذا العمل الممنهج سوف يأخذ حيّزاً واسعاً من ذاكرة المواطن الأوروبي بعد هذا الإصرار الطويل على نشر ثقافة الحقد على روسيا في أوروبا والغرب.
ومن هنا يبدو أن القادة الأوروبيين إذا كانوا حقاً يعيشون ضمن مجتمعاتهم ومنتخبين فعلاً بشكل ديمقراطي لتمثيل هذه المجتمعات، مضطرّون إلى العودة للحوار مع موسكو كشرط أساسي لإنقاذهم من الأزمات الاقتصادية التي توشك أن تُشعل اضطراباتٍ سياسيةً واضحة في بلدانهم، وخاصة في الدول التي تدّعي أنها تؤمّن لمواطنها رفاهية خاصة، ولاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي تعدّ قاطرة النموّ في هذه القارة بغض النظر عن الاتحاد الأوروبي الذي لم يعُد منظومة جيّدة بالفعل لتمثيل طموحات المواطن الأوروبي على اعتبار أنه بات عاجزاً فعلياً عن تقديم أيّ نوع من المساعدة للدول الأعضاء.
ورغم أن العديد من المسؤولين الأوروبيين المعتدلين كان قد حذّر مراراً من مغبّة الانجرار وراء الرغبة الأمريكية في الحرب الاقتصادية على روسيا، غير أن هذه التحذيرات لم تجد سابقاً آذاناً مصغية من المسؤولين في الدول الأوروبية الكبرى، ربما لأنهم لا يزالون يحلمون بهزيمة روسيا استراتيجياً أو لأنهم لا يستطيعون إطلاق رصاصة الرحمة على جهدهم الفاشل طوال الفترة الماضية في إخضاع روسيا وإجبارها على رفع الراية البيضاء في حربهم عليها، بل زادوا على ذلك باتهام هؤلاء الناصحين بالخيانة والعمالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فهل يفلح رئيس وزراء هنغاريا فكتور أوربان في إقناع الأوروبيين بأن العقوبات المفروضة ضد روسيا، قد تجبر أوروبا على الركوع على ركبتيها، أم أن القادة الأوروبيين ما زالوا يعتقدون أن لديهم مزيداً من الوقت للمناورة في الوقت الضيّق الذي يفصل الثلوج عن سلسلة جبال الألب في الدول الأوروبية المؤثرة؟.
طلال ياسر الزعبي