الهند التحدي الصاعد من الشرق والكاسر لعقوبات الغرب
تقرير أخباري
تتابع الأقطاب المتعددة الجديدة للعالم صعودها لتزاحم الأقطاب السائرة خلف نهج الإدارة الأمريكية، وتتابع الأقطاب الصاعدة مظاهر التعاون غير المسبوقة فقد وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين، مرسوماً بالموافقة على عقيدة جديدة للسياسة الخارجية، تقوم على مفهوم “العالم الروسي” ، وجاء في الوثيقة أنّ السياسة الجديدة لروسيا ستتجه نحو زيادة التعاون مع الدول السلافية والصين والهند، بجانب تقوية علاقاتها مع الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا.
وحالياً قامت الهند بإزاحة بريطانيا- التي ما زالت تظن نفسها إمبراطورية للتآمر-خطوة للوراء، واحتلت مكانها المرتبة الخامسة على سلم ترتيب أكبر اقتصادات العالم، مع توقعات بأن تأخذ الهند مكانة ألمانيا، واليابان، وصولاً لإزاحة الولايات المتحدة.
وما تم ذكره آنفاً يشي بمخاوف عسكرية خطيرة تحز في نفوس المعسكر الغربي، ويتوقع الكثير من خبراء السياسة أن الصراع العالمي المرتقب لن يكون بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، بل ستكون الهند هي التحدي الأكبر، فمن جهة يستحيل أن تستغني الولايات المتحدة عن مصنع العالم حتى لو أدعى الرئيس الأمريكي جو بايدن في أحد خطاباته الزهايمرية أن بلاده هي مصنع العالم، وهذا يضعف إمكانية نشوب أي نزاع معها مهما اختلقت الولايات المتحدة من الاستفزازات لبكين في التايوان واليابان.
ومن جهة أخرى ستكون الهند زعيمة قوى عالمية جديدة تعاني الفقر والأزمات تلو الأزمات كما تعاني من ظلم السياسات الدولية وصندوق النقد الدولي مع تفاقم أزمات الوباء والتغيرات المناخية الحادة المؤدية للمديونية، وهي بلدان الجنوب التي تضم مناطق واسعة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ والتي قد تشكل قوى اشتباك مستقبلية قوية تقوض من قوة الغرب المتهاوي.
من جهة أخرى تبرز الهند كلاعب دولي يُفشل جهود الغرب لعزل روسيا عسكرياً واقتصادياً، ويظهر ذلك جلياً من خلال المشاركة في المناورات العسكرية مع روسيا وشراء النفط الروسي، حيث تشارك الهند الآن في المناورات العسكرية (الشرق 2022)، والتي سيتم من خلالها توطيد علاقات عسكرية طويلة الأمد بين الهند وروسيا، كما أن هناك تعاون عسكري لتصميم صاروخ “براموس” الروسي الهندي فرط الصوتي، البحري الذي سيكتمل بحلول عام 2028.
من جهتها أمريكا سعت للضغط على دلهي عدة مرات لإثنائها عن لعب هذا الدول، وسبق أن أرسلت مجموعة من كبار مسؤوليها إلى الهند لإقناع دلهي بالتخلي عن النفط والأسلحة الروسية، لكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لم يستسلم للضغوط، بل على العكس أخذ بتطوير مجمعه الصناعي العسكري، وقد تجلى ذلك من خلال إطلاق أول حاملة طائرات تم بناؤها في البلاد، ومن ثم إطلاق حاملة طائرات ثانية، قادرة على حمل 30 مقاتلة على سطحها، تستخدم حاملة الطائرات Vikrant مقاتلاتMiG-29K الروسية.
وحاولت أمريكا أيضاً منع الهند من شراء النفط الروسي الذي يشكل خمس وارداتها، إلا أن الهند أكدت أنها لا تعترف بالعقوبات ضد روسيا وتعتبرها غير قانونية كونها ليست صادرة عن مجلس الأمن، بل عن أمريكا والغرب، وعلاوة على ذلك فقد خذلت دلهي الولايات المتحدة بالانضمام إلى خطط تحديد سقف سعر للنفط الروسي في السوق العالمية.
ويظهر ضعف المعسكر الغربي، الذي فرض حزما واسعة من العقوبات على روسيا، من خلال انتهاكه لعقوباته نفسها، عبر شراء النفط الروسي الذي قام بحظره، إذ يشترون النفط الروسي تحت ستار هندي، بل وبأسعار مرتفعة ناجمة عن تقليل كميات التصدير من روسيا، وهم على علم تام من أين يأتي هذا النفط، وأين ستذهب الأموال في نهاية المطاف. ومع ذلك فإن الفائدة بالنهاية ستذهب لروسيا، ومنشآت ومصافي النفط الهندية، وقد أشارت تقارير اقتصادية عديدة إلى أن الهند زادت بعد 24 شباط واردات النفط من روسيا عشرات المرات وبتخفيضات كبيرة من حليفتها موسكو.
بشار محي الدين المحمد