“من بعيد” تغنٍّ حكومي بنتائج الزراعات الاستوائية.. ومزارعها لا يجد من يدعمه!
بعد أن بقيت حكراً على بضعة رفوف في “المولات التجارية” على مدى سنوات طويلة، وضيفاً يومياً على طاولات شخصيات لها وزنها في المجتمع المخملي، وبعد أن كانت رؤيتها على شاشات التلفاز، أو في تلك المولات، بمثابة رؤية تحفة حضارية، أصبحت الفواكه الاستوائية -في ظل السياسات الزراعية الضبابية- تباع على البسطات أسوة بباقي الفواكه المحلية التي لم يخرج من دائرة البسطات ورفوف المحال إلّا “المدعوم منها” ليظفر بالتصدير تاركاً خلفه أطناناً من الحمضيات والتفاح برسم انتظار تسويقها ضمن مسار صحيح والذي على ما يبدو لا زال طويل الأمد!.
حسبة ورقية
بالطبع لم يكن توجّه الكثير من الأشخاص إلى الزراعة الاستوائية في المناطق الساحلية قائماً على دعم الجهات المعنية بتأمين البذار والمستلزمات الزراعية، ولاسيّما أن أصناف البذار دخلت البلاد بطرق غير شرعية، وفق ما أكدته مديريات الزراعة في تلك المناطق، لتأتي سلسلة هذه الزراعات بعد تجارب شخصية لعدة مزارعين، والتي بدورها فتحت باب الزراعة الاستوائية على مصراعيه، لكن وعلى الرغم من نجاح معظمها إلّا أن تبنيها من قبل القطاع الحكومي لازال محكوماً بعدة قيود لجهة حماية الزراعة المحلية وعدم إحلال الزراعة الاستوائية كبديل لها، ولاسيّما أن سعر الحبة الواحدة من أي فاكهة يفوق الـ4000 ليرة ويصل في بعض الأحيان إلى 30 ألفاً حسب جودتها ووزنها ومكان تواجدها أو بيعها “مول- محل تجاري- بسطة” وهو ما يفوق قدرة المواطن الذي تختل ميزانيته اليومية في حال قرّر شراء صنف فاكهة محلية الإنتاج، الأمر الذي يحتاج إلى “حسبة طويلة” قبل التوجّه أو التفكير بشراء ثمرة من الفاكهة الاستوائية.
عائدية اقتصادية
وزارة الزراعة أكدت لنا أنّ الزراعات الاستوائية تدخل في إطار القطاع الخاص ولا زالت بعيدة عن الدعم الحكومي لها رغم العائدية الاقتصادية الناتجة عنها في حال لاقت الدعم اللازم لها، وذلك لأسباب مجهولة لم “تفشِ سرها”، في حين يرى إياد محمد أمين سر لجنة الاستيراد والتصدير في اتحاد غرف التجارة أن سبب التوجّه لهذه الزراعة هو الطلب المرتفع على المنتجات التي كانت تستورد سابقاً بالقطع الأجنبي، رافقه تردي الناتج الاقتصادي لمزارعي الحمضيات وعدم قدرة الجهات المختصّة على إيجاد حلول جذرية لمزارعي الأشجار المثمرة المحلية، لذا قام مجموعة من المزارعين بالمغامرة كمحاولات فردية من خلال القيام بتجارب عديدة على مجموعات كبيرة من الشتول الاستوائية الحديثة، منها ما تأقلم مع الظروف المناخية في المنطقة الساحلية ومنها ما فشل، ولفت محمد إلى وجود أصناف استوائية تُزرع محلياً منذ أكثر من عشرين سنة “أفكادو- كيوي” وذلك على نحو تجاري اقتصادي بحت بسبب تدني أسعار الحمضيات على مدى عشر سنوات ماضية وإيجاد صعوبات جمّة في تسويقها وتصديرها، عدا عن الارتفاع الكبير في تكاليف الزراعات المحمية في المناطق الساحلية، وتحدث عن التركيز الكبير على هذه الزراعات في عام 2018 من خلال إعداد جناح ضخم للفواكه الاستوائية في معرض دمشق الدولي رافقه اهتمام كبير من قبل الإعلام السوري بها، الأمر الذي رفع نسبة إقبال الأهالي في المناطق الساحلية على الزراعات الاستوائية، أما فيما يتعلق بمستلزمات إنتاج هذه الزراعات ومدى تقديم الدعم من وزارة الزراعة لفلاحيها وجد محمد أن مستلزمات الزراعة لم تدخل أو تندرج بعد في المديريات والإرشاديات الزراعية كونها لا زالت زراعة كيفية لا تخضع لخطة زراعية منظمة، وفي حال خضوعها لوزارة الزراعة ستحظى بدعم جيد، مشيراً إلى العائد الاقتصادي الكبير لها من خلال إحلال بدائل المستوردات، ولاسيّما مع وجود فائض إنتاج منها يمكن تصديره.
لا توجد إحصائية دقيقة!
أمين سر لجنة الاستيراد والتصدير نفى إمكانية حصر كميات الإنتاج كون أغلب أنواعها تنمو تحت الحمضيات والأشجار المثمرة الأخرى، لذلك لا يوجد إحصاء دقيق لهذه الزراعات، وفيما يتعلق بإضافة قيمة مضافة لهذه الزراعات وجد محمد أنه من المُبكر العمل على تصنيع هذه المنتجات باستثناء بعض العصائر.
تجاهل الجهود!
تجارب كثيرة لازالت برسم انتظار نتائجها على أرض الواقع لثمار استوائية تمّ استجرار بذارها من قبل المزارعين بطرق وأساليب ملتوية -حسب تأكيدهم- بهدف الربح الوفير الذي عجزت الحكومة عن توفيره لهم، إذ يرى حسين خرما أحد أصحاب المزارع الاستوائية أن هذه التجارب لم تأتِ بنتائج إيجابية مباشرة، ولاسيّما مع جهل المزارعين بطرق زراعتها والاهتمام بها، لكنّ على الرغم من الخسائر المتكررة التي وقعوا بها إلّا أن نتائجها الإيجابية اللاحقة تفوق تلك الخسائر، مشيراً إلى تجاهل الجهات الحكومية لما يبذله المزارعون من جهد وتكلفة لتأمين مستلزمات هذه الزراعات والاكتفاء بالتغني و”التطبيل” على منابر الإعلام بإنجاز المزارعين ونجاحهم بإدخال صنف مستورد إلى أسواقهم وسط تجاهلهم للقيمة المادية التي نُضيفها إلى خزينة الدولة، وطالب خرما بتقديم الدعم لهم بعيداً عن الحجج المكررة بأولوية الزراعات المحلية “حمضيات- زيتون”، خاصّة وأنّ جزءاً كبيراً من الزراعات الاستوائية تنمو إلى جانب هذه الأشجار أو تحتها، وبالتالي لا تؤثر سلباً على إنتاجها بل أثبتت التجارب خلال السنوات الأخيرة نجاحها الكبير الذي أدى لتوافرها على موائد الكثيرين بعد أن كانت حكراً على البعض.
هروب من الواقع
ولم ينفِ الخبير التنموي أكرم عفيف نجاح هذه التجربة في سورية، خاصّة وأنها استطاعت إعطاء نكهات مميزة فاقت بلد المنشأ كون سورية بلد الزراعة والشمس والمياه، لكن ذلك لا يعني التخلّي عن الزراعة والفواكه المحلية، فالتوّجه نحو الزراعة الاستوائية –بحسب عفيف- لا يخرج من دائرة الهروب من الحقيقة، ولاسيّما أن نجاح هذه الزراعة لا يترتب عليها تواجدها في جميع المنازل السورية، أي أنها ليست “شعبية الاستهلاك” نتيجة غلاء سعرها مقارنة بالثمار المحلية. وقدّم الخبير التنموي مثالاً بإنتاجية ثمار “الأفوكادو” والتي وصلت عند الكثير إلى “طن” في الشجرة الواحدة وتمّ بيع الكيلو بـ4000 ليرة أي ما يعادل 4 ملايين لكلّ شجرة، وهذا الرقم كبير جداً في الإنتاج الزراعي السوري، لذا يجب دعم هذه الزراعة دون إحلالها كبدائل للأشجار المحلية، كالتوسع مثلاً بالمشاتل الاستوائية وتصدير الشتول إلى العالم، إضافة إلى أهميتها لأنها موسم إضافي تحقّق عائدية اقتصادية للمزارعين العاملين فيها، مع ضرورة حماية وتحصين زراعتنا المحلية وثمارها عن طريق إعطائها قيمة مضافة “عصائر- مكثفات” بدلاً من السماح ببيع البرتقال تحت الأشجار بـ “50” ليرة تحت حجج أنها لا تصلح للعصير، في حين يمكن تطعيمها خلال عام واحد لتعطي إنتاجاً يصلح للعصائر!.
ميس بركات