بعد أكذوبة 11 أيلول.. تستطيع واشنطن بداية الحرب وليس إنهاءها
تقرير إخباري:
تمرّ اليوم الذكرى الـ 21 لهجمات الحادي عشر من أيلول التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في واشنطن، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على ثلاثة آلاف شخص، ما سمح للإدارة الأمريكية بشخص رئيسها آنذاك جورج بوش الابن بإعلان “الحرب الدولية على الإرهاب” حسب زعمه بقيادة بلاده، كما أطلق شعار “مَن ليس معنا فهو ضدّنا” وقسّم دول العالم إلى محورين: أحدهما للخير والآخر للشر.
كذلك استغلت الإدارة الأمريكية الهجمات لتبرير حربها على أفغانستان بحجّة إيوائها قيادة وأعضاء تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي، وللمفارقة، سارع متزعّمه آنذاك، أسامة بن لادن، إلى تبنّي الهجمات ومباركتها، بما يشبه التناغم بين التنظيم الإرهابي وواشنطن، التي كان لها الدور الأكبر في إنشاء التنظيم وتمويله وتدريب أعضائه بحجّة “الجهاد” الذي رفع لواءه رموز الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس تجاه ما سمّوه الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
ويمكن اعتبار انطلاق حاملات الطائرات والطائرات القاذفة الأمريكية وتطوّع العديد من الدول التابعة بإرسال قواتها إلى أفغانستان تحت قيادة واشنطن لنيل رضا واشنطن من جهة، ولاتقاء بطشها من جهة أخرى، تأكيداً للأحادية القطبية العالمية التي بدأت ملامحها الأولى مع تفكّك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، بينما أتى غزو العراق تتويجاً لزعامة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم مستغلة انشغال الاتحاد الروسي بإعادة البناء لما بعد الاتحاد السوفييتي، وعدم جاهزية القوى الأخرى كالصين الشعبية لمسؤوليات دولية على اعتبار أنها في طور تكوين قوتها الصناعية والتجارية، وهي غير مستعدّة بعد لتحمّل تبعات معاداة أمريكا المنتشية بإبادتها للشعبين الأفغاني والعراقي تحت زعم محاربة الإرهاب، وتبعية أوروبا العمياء لسياستها.
وبعد 21 عاماً على بدء “الحرب على الإرهاب”، نجد أن واشنطن لم تحقق أيّاً من غاياتها المعلنة من هذه الحرب، وحسب الكاتب ديفيد فون دريهل الذي اعتبر في مقال له في صحيفة واشنطن بوست، أن الدرس من تلك الأحداث أصبح معروفاً جيداً للمخططين العسكريين الأمريكيين، مشيراً إلى “أن بداية الحروب ونهايتها وسفك الدماء وخوض المعارك كلها أمور لا يقرّرها طرف واحد”، مبيّناً “أن الأمريكان على مدى الـ 20 عاماً التالية للهجمات قاتلوا حتى تعبوا من القتال”.
وأشار، إلى أن كل الرؤساء الأميركيين منذ بوش الابن أرادوا إنهاء الحرب، كما وعد باراك أوباما بإنهاء الأمور، وكذلك دونالد ترامب كرّر الدعوة وتفاوض على انسحاب القوات من أفغانستان، وأكمل جو بايدن الانسحاب “المذلّ” في الذكرى العشرين لتلك الأحداث.
وأضاف الكاتب: “لكننا لم نعُد نتحكم في إنهاء الحرب مثل سيطرتنا على بدايتها، وبمقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري، قُبض على كل القادة المعروفين في 11 أيلول أو قُتلوا”، ليعترف في النهاية أن التنظيمات الإرهابية ما زالت قائمة وأن ادّعاء بوش الابن عام 2003 أن “المهمّة أنجزت” ما هو إلا نفاق، مضيفاً: إن الحرب لم تنتهِ بالنسبة لتنظيم “داعش” أو الجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء العالم.
واليوم، مع دخول العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا شهرها السابع، نجد الأصوات نفسها التي نادت بإنشاء وتمويل ودعم مجموعات إرهابية تحت زعم “الجهاد” ضد السوفييت، تدعم وتموّل مجموعاتٍ نازية متطرّفة قامت بتجميع عناصرها من كل أنحاء العالم وتدريبهم ونقلهم إلى أوكرانيا لاستخدامهم في القتال ضد الروس، ولكن ما يميّز هذه المرحلة عن الماضي أن روسيا والعالم اليوم أكثر وعياً أن واشنطن ومن خلفها أوروبا لا حول لهما ولا قوة في المواجهة الحالية، وأنه كما كانت أحداث أفغانستان وغزو العراق نقطة التحوّل الرئيسة في الأحادية القطبية العالمية، فإن الحرب التي يخوضها الجيش العربي السوري للقضاء على الإرهاب المدعوم من الناتو، بمفرده طوال سنوات، وبدعم من الأصدقاء فيما بعد، هي حجر الأساس في بناء نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، لا يلعب على المصطلحات والمفاهيم، ولا يستغل ذلك لخدمة مصالح توسعية وإمبريالية، ويفرق حقيقة بين الإرهاب وحق الشعوب في المقاومة وتقرير المصير.
إبراهيم مرهج