وزارة العجائب..؟!
بشير فرزان
كانت مفاجأةً من العيار الثقيل لكلّ من تابع هذا المشهد الواقعي: “سيارتان مفيمتان وتسيران بعكس السير في أحد الطرق الفرعية في أحد أرقى أحياء دمشق، تتوقفان، ومن ثم يترجّل أحدهم من السيارة مخاطباً سائق السيارة القادمة بشكل صحيح: “رجاع عجل.. رجاع مو شايف”!! ومع امتثال السائق لرغبة هذا المرافق بالرجوع، وإفساح المجال للمرور، ازداد الفضول لدى الجميع ليعرفوا من صاحب أو صاحبة السعادة في السيارة الأولى، وهنا كانت الصدمة وفق مقولة “أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك أستغرب”، إن صح التعبير، فمن يدير دفة أكبر وأهم ملف إصلاحي يتناسى أهم بديهياته ومسؤولياته، وينغمسُ في الاستعراضات التي يعمل منذ سنوات على محو وجودها من العمل الحكومي، ومن الحياة العامة، عدا عن صرف ملايين الليرات وتسخير أجهزة الدولة ومؤسّساتها لتحقيق هذا الهدف الذي لا وجود له في تصرفاته وسلوكه الشخصي!!
ولا شكّ أننا نمتلك الحق في الإضاءة على هذا المشهد، كونه يحاكي الواقع ويلخّص نتائج السلسلة الطويلة التي لا تنتهي من المشاريع والإجراءات التي تُعنى بها وزارة التنمية الإدارية، وكان آخرها المسابقة المركزية بكلّ ما فيها من خيبات أمل، أو تلك التي في طور الإنجاز، كما تدّعي، “قانون الوظيفة العامة” والكثير من القوانين الأخرى التي تقدّم ضمن منظومة إصلاحية انطلقت من مكاتب الوزارة التي تواجه الكثير من الانتقادات حول كيفية تعاطيها مع الملفات الموضوعة على طاولتها، وفي مقدمتها تراجع الواقع الإداري المؤسّساتي وملاحقة الهدر والفساد والمظاهر المسيئة للعمل الحكومي بكلّ أشكالها، وذلك في مسار فكّ ارتباط المنصب بالمكاسب والاستمراء بامتيازات العمل الوظيفي بكافة أنواعها لتكون مؤشراً على مدى تقدمها في مشروعها الكبير.
وأمام تفاصيل هذا المشهد، وفي أجواء الترقب والانتظار للإجراءات والقرارات التي ستُتخذ.. تزداد المخاوف على العديد من المشاريع التي طال العمل فيها وما زالت في خانة قيد الدراسة، وبشكل يثبتُ حالة من الخلل الإصلاحي في برنامج عمل وزارة التنمية الإدارية التي تحلّل لنفسها “ما تحرمه على الغير” تحت شعارات واهية، وهذا دليل إدانة على ضعف تجربتها وقدرتها على قراءة الواقع وتحديد مكامن القوة والضعف، ووضع الأمور في سياقها الطبيعي، وصولاً إلى الواقع الإداري المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية.
وطبعاً، ليس المقصودُ هنا التقليل من أهمية ما يتمّ، أو تشويه الصورة وملاحقة الوزارة بلعنة الفشل، بل التذكيرُ بأن الإصلاح يبدأ من الذات أولاً ثم يعمّم، وتحديداً فيما يخصّ الفكر القيادي في الوزارات والمؤسّسات العامة، وفي استعادة ثقة الشارع بها، والذي يتساءل عن إستراتيجية الترشيد الحكومي وتغيير الذهنية الوظيفية التي لا نجد لها أثراً في هذا المشهد القريب بتفاصيله من قصص “أليس في بلاد العجائب”، حيث التناقضات والأمور الخيالية التي تزيد الغموض وتترك مئات التساؤلات حرة طليقة دون إجابات في كلّ اتجاه ومسار له علاقة بالعمل والإصلاح والمسؤولية، وهذا ما يؤهلُ وزارة التنمية الإدارية لتكون وزارة العجائب؟!!