دراساتصحيفة البعث

أداة الشر المطلق

هيفاء علي

ما من مصيبة أو حرب تحدثُ في العالم إلا وتكون وكالة المخابرات المركزية وراءها، وهي التي هيمنت على السياسة الخارجية الأمريكية من الخمسينيات وحتى أواخر السبعينيات، من الانقلاب الكارثي عام 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدّق، إلى عملية تغيير النظام عام 1954 التي شهدت الإطاحة برئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز لجرأته بالدوس على أصابع قدم “يونايتد فروت”، مروراً بمحاولات الاغتيال العديدة المثيرة للاشمئزاز، لكلّ من فيدل كاسترو، والزعيم الفيتنامي نجو دينه ديم، والجنرال التشيلي رينيه شنايدر، والإطاحة بالرئيس التشيلي سلفادور أليندي، واقتحام ووترغيت، والمزيد ثم المزيد في العراق وسورية وليبيا واليمن، كانت بصمات وكالة المخابرات المركزية ولا تزال موجودة في كلّ مكان في هذه الجرائم، وأصبح الوضع متدهوراً بشكل سيئ لدرجة أن اثنين من المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى طالبا بإلغاء وكالة المخابرات المركزية، وهما السيناتور باتريك موينيهان في عام 1995 والرئيس السابق هاري ترومان في عام 1963.

لا يوجد سبب للاعتقاد بأن عمل الوكالة قد توقف، بل هو مستمر وبكثافة، فقد درّبت وكالة المخابرات المركزية الإرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير، وتحديداً في سورية، والنازيين في أوكرانيا، الذين لا يزالون هناك، على الرغم من أن مغامراتهم على الحدود الروسية هي إلى حدّ بعيد كارثة مميتة!.

تعتقدُ واشنطن أنه يجب أن يُنظر إليها على أنها المنتصرة، وأن يُنظر إلى أعدائها على أنهم فاسدون تماماً. في أواخر السبعينيات، كان تحقيق لجنة الكونغرس في انتهاكات وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ذروة جهود الحكومة للفت الانتباه إلى هذه المؤسّسات الإجرامية الغامضة. منذ ذلك الحين، أصبح النزول والغطس في الظلام شديد الانحدار. بعد أحداث 11 أيلول عندما ساءت الأمور، جاءت الحرب المجنونة على الإرهاب، ومع التفويض المطلق لجورج بوش “المهمّة أنجزت”، قامت وكالة المخابرات المركزية بتعذيب الأبرياء في مواقع سرية في جميع أنحاء العالم، ولعلّ أكثرها شهرةً سجن أبو غريب الذي ارتكبت فيه القوات الأمريكية أفظع الانتهاكات بحق السجناء فيه، ومع ذلك لم تتمّ مقاضاة هذه الفظائع المروعة ولم تتمّ محاسبة هؤلاء القتلة.

هذه هي الوكالة التي تحكم الأمريكيين والذي تفاخر مديرها السابق مايك بومبيو عندما قال: “لقد كذبنا، خدعنا، سرقنا”. هذه ليست مجرد جرائم الوكالة، بل هذه هي الجرائم التي يجب أن تثير قلق العالم كله وليس فقط الأمريكيين.