تحذيرات للدول الأوروبية من الإفلاس على خلفية أزمة الطاقة
البعث – تقارير:
لم يكن أكثر المتشائمين في الدول الغربية يتوقّع أن ترتدّ العقوبات الغربية على بلاده على هذا النحو من السوء، بل إن التفكير المسبّق بنشوة الانتصار على روسيا من خلال حصار اقتصادي غير مسبوق في التاريخ كان يقود جميع الساسة الأوروبيين، وخاصة الغربيين منهم، على خلفية حقد أعمى على كل ما هو روسي، حيث صار سهلاً على القادة الأوروبيين دعم النازية الجديدة الناشئة في أحضان نظام كييف، ما دام هذا الدعم حسب اعتقادهم سيؤدّي إلى هزيمة روسيا استراتيجياً كما زيّن لهم شيطانهم القابع في البيت الأبيض، فكان كل ما وسوس به هذا الشيطان غرب الأطلسي برنامج عمل بالنسبة إليهم، وراح كلّ منهم يحلم باليوم الذي يرى فيه روسيا وهي تجثو على ركبتيها مستجدية من الغرب شراء نفطها وغازها اللذين تعرّضا للكساد نتيجة إحجام الغرب عن شرائهما.
غير أن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن الغرب الاستعماري الغارق في أحلامه الإمبراطورية والمتخلّف إلى حدّ ما عن قراءة حقائق التاريخ التي تؤكد أن جميع الإمبراطوريات ستمرّ بمراحل أفول كما مرّت سابقاً بمراحل ازدهار وتقدّم.
فقد انبرى كثير من العقلاء الغربيين إلى التحذير من الإفراط في التفاؤل بخصوص إمكانية الانتصار على روسيا في هذا الشأن، غير أن القادة الأوروبيين صمّوا آذانهم عن سماع النصيحة، بل اتهموا جميع الناصحين بالخيانة والعمالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إمعاناً في ابتعادهم عن فهم هذه الحقائق.
وقد حذّرت صحف غربية عديدة من الآثار الكارثية لهذه العقوبات، حيث أكدت صحيفة “إيكونوميست” أن الدول الأوروبية ستتعرّض للإفلاس إن لم تعالج أزمة الطاقة، لأنها ستضطر هذا العام لرصد 1.4 تريليون يورو لتغطية فاتورة الغاز والكهرباء، بواقع 7 أضعاف ما كانت عليه.
وحسب الصحيفة، بعد تعليق ضخ الغاز القادم من روسيا عبر أنابيب “السيل الشمالي 1″، ارتفعت أسعار الوقود في أوروبا بنسبة 30%، وإذا استمرّت هذه الحالة خلال العام الجاري، فقد يصل إنفاق الاتحاد الأوروبي على الغاز والكهرباء إلى 1.4 تريليون يورو، بواقع سبعة أضعاف ما كان عليه في السنوات الأخيرة.
وأكدت الصحيفة أنه “يجب على الحكومات ألا تتخلى عن المنطق الاقتصادي والعقلانية”.
وأضافت الصحيفة: إن استخدام التكتيك الأكثر شيوعاً المتمثل بتحديد أسعار الكهرباء، كما فعلت فرنسا، سيساعد في كبح جماح التضخم عن طريق تقليل العبء على البنوك المركزية وإزالة الحاجة إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي، لكن هذا الحل له عيوب هائلة.
وأوضحت أن تحديد السعر لا يقلل من الطلب على الطاقة، الأمر الذي يؤدّي إلى تأجيل إصلاحات مهمّة، ولن يتسنى تحرير الأسعار لاحقاً لأسباب سياسية، داعية إلى تعويض المشتركين عن فواتير الخدمات نقداً، وإصدار قروض حكومية للمؤسسات.
ووفقاً للمقال، فإن هذه الإجراءات ستتطلب تكاليف باهظة، وستكلف الخزينة الأوروبية 450 مليار يورو، محذّرة الحكومات من زيادة عبء الديون عبر قروض جديدة.
وخلصت الصحيفة إلى أنه “إذا اتخذت الدول إجراءاتٍ خاطئة، سيؤدّي ذلك إلى إفلاسها، وستصبح صناعة الكهرباء الأوروبية ضرباً من الماضي”.
وليس أدلّ على الوضع الكارثي الذي تعيشه أوروبا من تصريح رئيس أكبر اقتصاد في أوروبا، وهو الألماني، فرانك فالتر شتاينماير من ارتفاع عدد المواطنين المشرّدين بسبب ارتفاع الأسعار، حيث قال اليوم الأحد: “يمكن للحروب والأزمات أن تتسبّب في تعرّض المزيد من الناس في بلدنا لنقص المساكن في الخريف والشتاء. فالفقراء، وخاصة العائلات التي لم تعُد قادرة على دفع الإيجار أو النفقات الإضافية بسبب ارتفاع الأسعار، تخاطر بفقدان منازلها”.
ووفقاً للأرقام الرسمية، فإن أكثر من 300 ألف شخص في ألمانيا ليس لديهم منازل خاصة بهم، وينام 45 ألفاً منهم في الشوارع.
وشدّد الرئيس على أنه “لا يحقّ لنا ترك أيّ شخص في بلدنا لم يعُد يعرف كيف يدفع ثمن الشقة والمرافق”.
ومن هنا، بدأت تتعالى في الشارع الأوروبي الأصوات المنادية بضرورة مراجعة العلاقات مع روسيا والعودة إلى لغة الحوار، بل إجبار النظام في كييف على العودة إلى طاولة التفاوض مع موسكو على أساس احترام علاقة الجوار والكف عن طموحاته في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإنقاذ أوكرانيا من الجحيم الذي وصلت إليه.
طلال ياسر الزعبي