هدر الإمكانية!!
علي عبود
عندما يؤكد معظم المسؤولين في مديريات ومؤسسات وزارة الزراعة إن المساحات المزروعة بعلاً وتحديداً الحبوب غير المضمونة، أي يغلب عليها طابع المغامرة، وبأنها غالباً غير قابلة للحصاد إلا إذا سخت الطبيعة بالأمطار وروتها في مواعيد محددة .. فهذا يعني أننا أمام واقع لايمكن وصفه سوى بهدر الإمكانية!
نحن لا نقول أن تهمل وزارة الزراعة الأراضي البعلية وتتركها بورا، لكننا نسألها: ما الإمكانيات المتاحة لتأمين مصادر مياه لها كي نحصد منها محاصيل مضمونة؟ وعلى الرغم من شح الأمطار في المناطق الزراعية الجافة فإن ما من جهة في وزارتي الري والزراعة درست خيار تجميع مياه الأمطار فيها وتخزينها في سدات صغيرة ليستفاد منها لاحقاً في ري الأراضي المزروعة بعلا!
كما أن وزارة الري لم تدرس حتى الآن مد قساطل تحت الأرض لجر المياه من البحيرات والسدود إلى الأراضي المزروعة بعلاً وتجميعها في خزانات لإرواء المحاصيل الإستراتيجية لا بالغمر وإنما بالتنقيط أو بأنابيب ذات أقطار مناسبة تحت الأرض المزروعة بسنابل القمح والشعير!
وقد يكون الخيار أيضاً باستنباط بذور مقاومة للجفاف ولا تحتاج لكميات وفيرة!
ولا يقتصر هدر الإمكانية على الأراضي البعلية إلى حد لا يمكن حصادها رغم ماتكبده المزارع فيها من أموال، بل يشمل الهدر أيضاً الأراضي المروية أي المضمونة النتائج مسبقاً!
وحسب تتبعنا لغلة هكتار القمح خلال العقود الأربعة الماضية، يمكن أن يعطي 3 أطنان على الأقل، ولكن هذا الرقم متوقف على تأمين مستلزمات الإنتاج بأوقاتها وبالكميات المناسبة، وهذا لم يحصل في السنوات السابقة، ما أسفر عن مردود الحد الأدنى وليس الأقصى أو الطبيعي!
والسؤال: ما حصيلة هدر الإمكانية في قطاع الزراعة؟ يعني استمرار سورية مستوردة للحبوب إلى أجل غير مسمى، مع ما يعنيه ذلك من استنزاف للقطع الأجنبي بفعل عدم استثمار الإمكانات المتاحة، ويعني أيضا تراجع إنتاج المحاصيل الأخرى كالحمضيات والذرة والشعير.. إلخ.
أما الحصيلة الأخطر فهي تدهور ثروتنا الحيوانية لعدم تأمين حاجتها من الأعلاف حتى ولو كان تبناً نقياً دون أية إضافات مركزة، وتهديد قطاع الدواجن بالإغلاق، والنتيجة غلاء غير مسبوق للبقوليات واللحوم والفروج والبيض والأجبان والألبان، وكل ما له علاقة بالمواد الأساسية للأسرة السورية التي تعجز عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية.
ربما المرة الأولى التي نسمع فيها، وعلى نطاق واسع، خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بفعل عدم توفر مياه الري، أو لعجز الفلاح عن تأمين مستلزمات زراعتها بسبب ارتفاع أسعارها، والذي لم يعد متاحاً سوى لكبار المقتدرين مالياً!
كما أن يباس محاصيل الحمضيات بسبب العطش، وهي قريبة من شبكات الري الحكومية، لم يحصل في سنوات سابقة ما يؤشر إلى أن الجهات الحكومية لم تعد مكترثة بهدر الإمكانيات التي ستجلب الكوارث للبلاد آجلاً أم عاجلاً!
وتعرف وزارة الزراعة أكثر من غيرها أن التأخر بالريات الأساسية أو عدم توفرها بسبب اختفاء حوامل الطاقة يعني تقزم النبات وتحول الزراعة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر والخسائر، لا يعوض جزء منها سوى تضمينها كعلف للمواشي!!
والمثال القريب هو محافظة حماة التي خسرت ثلث إنتاجها المتوقع من الحبوب بفعل الظروف الجوية علماً أن المياه قريبة من المحاصيل لكنها تحتاج إلى قرار لم يأت في الوقت الحرج!
وإذا كان الري الحديث أداة فعالة لتوفير المياه وبديل للري بالغمر، فإن الجهات الحكومية فشلت حتى الآن باعتماده كوسيلة ناجعة لزيادة الأراضي المروية، وهنا هدر الإمكانيات المتاحة في أقصاها!