ثقافةصحيفة البعث

الأدب الساخر.. ضحكٌ كالبكاء

أمينة عباس

تحت عنوان “الأدب الساخر.. أساليبه.. توجهاته.. معطياته وتأثيره”، عقد لقاء “شام والقلم” مؤخراً ندوته الشهرية في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بإدارة الصحفية نجوى صليبه ومشاركة الأدباء: د. نذير جعفر، خضر الماغوط، عبد الوهاب محمد.

تقنيات المفارقة

لخّص د. نذير جعفر في مشاركته عنوان الندوة، وبيَّن في البداية أن الأدب الساخر هو ضحك كالبكاء، وقد عبّر عنه المتنبي بقوله “وكم ذا بمصر من مضحكات ولكنّه ضحكٌ كالبكاء”، ويقوم على تقنيات المفارقة والترميز والتكثيف والإيحاء لا المباشرة والتصريح، ويتخذ من الدعابة مسلكاً إلى قلب القارئ ووجدانه لا ليثير الضحك فحسب، بل ليبعث الإحساس العميق في نفسه بالمرارة والمعاناة، ويحفزه على نقد الواقع والتمرد عليه والعمل على تغييره، مشيراً إلى أن الأدب الساخر نشأ جنساً أدبياً في القرن الثاني الميلادي على يد الفيلسوف السوري لوقيانوس السميساطي (125-180) وهو أستاذ البلاغة والخطابة في روما، نشأ وتعلم وتثقف في الرها، وكان أول من أدخل فن الحوار إلى الفلسفة عن طريق المحاورات الفلسفية قبل الفلاسفة اليونانيين، وقد سخر من ديوجينوس كما سخر من رجالات عصره، ثم برز في العصر العباسي الجاحظ في كتابه “البخلاء” الذي يُعدّ أنموذجاً للأدب الساخر، لما اشتمل عليه من حكايات عن شخصيات متعدّدة من بخلاء عصره، وتتبع ذلك مقامات بديع الزمان الهمذاني التي تُعدّ فناً نثرياً أدبياً في حسّ السخرية والنقد الاجتماعي ممزوجاً بالفكاهة، كما أن كثيراً من شعر الحطيئة وشعر ابن الرومي يُعدّ برأي جعفر نموذجاً لفن السخرية في الأدب العربي، مبيناً أن عدداً من الكتّاب السوريين في العصر الحديث اتجه نحو كتابة المقالة والقصة والقصيدة الساخرة، ومنهم مواهب كيالي وحسيب كيالي الذي يُعدّ رائد القصة الساخرة في الأدب السوري الحديث، وعدد من الذين كتبوا في صحيفة “الكلب” مثل صدقي إسماعيل وغازي أبو عقل ومنصور الرحباني وسليمان العيسى وعبد السلام العجيلي ومحمد الماغوط الذي له باعٌ طويل في هذا المضمار، أما في سبعينيات القرن العشرين فقد أشار جعفر إلى أنه نشأ أدبٌ سوري ساخر على صفحات الجرائد في الزوايا والمقالات النقدية الساخرة لوليد معماري، نزار عبود وفي بعض قصص حسن م يوسف، منوهاً كذلك بفن السخرية المتميّز الذي نلمحه في روايات محمد أبو معتوق وقصصه ومقالاته، وهو ما زال يواصل إبداعه في هذا النوع من الأدب حتى اليوم.

تكنيك كتابي عالي المستوى

وأشار عبد الوهاب محمد في مشاركته إلى أن السخرية التصقت بجميع الأجناس الأدبية (شعر، قصة، رواية، مقالة) وجاءت إلى الفن التشكيلي عبر الرسوم الكاريكاتيرية التي تختصر قصصاً كثيرة بخطوط، مبيناً أن السخرية سلاح يستخدمه الفرد لحماية نفسه من الجنون – حسب علماء النفس – وأن الأدب الساخر تكنيك كتابي عالي المستوى ناقد للمجتمع والفرد، موضحاً أن السخرية في كتاباته لا تأتي عن سبق إصرار، وأن الأدب الساخر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية الكاتب والبيئة التي يعيش فيها، وتلعب دوراً مهماً في خلق الكاتب الساخر. من هنا وجد أن أكثر الكتّاب العظماء في هذا الأدب خرجوا من بيئات فقيرة كتشيخوف، برنارد شو، محمد الماغوط، مؤكداً أن البيئة البائسة أنتجتْ أدباء ساخرين عظماء لأنها تحفز على التمرد من خلال الكتابة عنها بشكل غير مباشر، ورأى محمد أن كاتب الأدب الساخر يجب أن يتمتّع بذكاء وقوة أعصاب وسرعة التقاط المفارقة في الحياة.

وثيقة ومرآة للمجتمع

وأكد خضر الماغوط تأثر الأدب الساخر بالواقع، فالأدب الساخر برأيه ليس تخيّلياً كالقصة والشعر بل هو أدب ملموس ويُعدّ وثيقة ومرآة للمجتمع، وأن الإنسان يحب النكتة والطرفة بطبعه، لذلك فإن لهذا الأدب قراءه وكتّابه، وهو أدب ناقد يسبح في ملكوت الحرية.