“بحر من حبّ”.. أقاصيص شعرية رمزية ومباشرة عن الحرب والعشق
ملده شويكاني
“ارفع الجلسة
ودعنا نخرج للاحتفال
فالقمرُ مازال بدراً
أريد أن أطلق عليه النار”..
هذا الاعتراف ورد في إحدى قصائد المجموعة الشعرية “بحر من حبّ” للشاعرة حنان الحلبوني، الصادرة عن وزارة الثقافة– الهيئة العامة السورية للكتاب.
ومن الغلاف الذي صمّمته علا حسام الدين يهمسُ اللون الأزرق وتموجاته الدائرة حول وجه أنثوي يستسلم لنوم هادئ عن حالة حلم تنهي قسوة الكابوس المزعج الذي عاشته سورية في سنوات الحرب، التي دمّرت كلّ شيء، فكانت المحور الأساسي بالمجموعة التي ضمّت عدداً من قصائد النثر، بعضها أخذ طابع الأقصوصة، موظّفة الكثير من الصور الشعرية ذات الدلالات مثل الخريف والسنونو والمطر والعطر والخزامى والياسمين، متكئة على المكان في بعضها الآخر، فكانت دمشق حاضرة بصور شتى، كما اقتربت بإيحاءات من القضية الفلسطينية. أما ألفاظها فجاءت متسلسلة سهلة بعيدة عن الغموض واستعراض مخزون المفردات، ولامست متطلبات العصر، فذكرت في مواضع الحاسوب والشاشة والسيلفي، ونمّ أسلوبها الإنشائي عن أسئلة تركت إجاباتها للقارئ في مواضع.
الحرب والعاهات
تصفُ الحلبوني في قصيدة “كي تبقى أزهارك على قيد الحياة” تبعات الحرب التي عكست آثارها بالعاهات الدائمة التي دمّرت الإنسان بأبعاد حالات تنسحبُ على حالات أخرى، فتخيّلت الموسيقي الذي فقد أصابعه:
“أصابعي قطعتها الحرب
البيانو أصبح ملائماً للاحتراق في برد الشتاء
حنجرتي اغتصبتها الحرب
صوتي هام بين القبور بصمت وكبرياء
مزهريتي حطمتها الحرب
سأغرس أزهارك الجميلة في قلبي
كي تبقى على قيد الحياة”
محاكمة الأطفال
أما في قصيدة “مجرمون” التي كانت أطول من بقية القصائد واعتمدت فيها على المقاطع المتصلة– المنفصلة عبْر تكرار الكلمة الأساسية التي وظّفتها داخل الأقصوصة لتكون مفتاحاً لتتالي الاتهامات التي يوجّهها الإرهابيون إلى أطفال سورية في قصيدة أوحى عنوانها بمضمونها، فبرأيهم أن أطفال سورية مجرمون لأنهم تحدوا الحرب وصمّموا على الحياة والاستمرار وتابعوا دراستهم في أصعب الأوقات.
“يا أطفال سورية
أنتم مجرمون
لأنكم حين تسمعون صوت انفجار تسخرون
ومن قاطعي الرؤوس لا تخافون
ألم أقل لكم إنكم مجرمون؟”
لتأتي القفلة التي تفصح بقتلهم لأنهم يثابرون على ارتياد المدرسة وينجحون:
“وعيونكم البراقة ستزيّن السماء
من الآن وحتى اليوم الأخير”
الرمزية المسرحية
وفي قصائد أخرى اعتمدت على الرمزية وعلى المشهد المسرحي بالأنسنة على لسان الغول والدب والغيلان، كما في مسرحية الغول:
“ريح زرقاء
تداعب القمر بلؤم
(تزعم أنها غول)
بإسقاط عن وحشية الإرهابيين الذين يصوّرون أنفسهم أمام العالم بأنهم إنسانيون يدافعون عن حق الإنسان:
“يرمون كاميراتهم ويصفقون
يزعمون أنهم غيلان”
المدينة الخالدة
وصوّرت حال المدينة الحزينة في عيد الحب، الذي اجتمع فيه كثيرون يذرفون الدموع من وطأة الحرب وآلام الفقد:
“الناس في المدينة يتحلقون حول الشموع
يذرفون الدموع
الليل يفقأ الأحلام بدبوس شعر الحرب”
أما المكان فشغل حيزاً من المجموعة بصور عدة بحضور دمشق المدينة الخالدة، كما في قصيدة “أتدمشق”:
“في النهار
حجارتك مبعثرة عرجاء
تتسوّل عند الأدراج المتكسرة قرب مقهى النوفرة
نهرك يستغيث من فرط الجنون
أرصفتك موشاة بالحزن”
وفي قصيدة “حين ينفد العطر” تسكب عطر كلماتها التي تؤكد بأن دمشق بلد الياسمين والحب أقوى من الحرب والحزن، حينما تخاطب شهر نيسان الذي يفوح عطره في الأرجاء:
“السابعة بتوقيت السنونو
نيسان ينثر ما تبقى في حقائبه من حبّ
والحب يجري في عروق دمشق”
وتخاطب الغيم الذي قبل أن يرحل سيسكب القصائد في زجاجات عطر، ليعود إلى دمشق، حينما:
“سيعود يوماً
حين ينفد العطر من قيثارة العشاق”
الخريف والمعتقل
في قصيدة “خريف” تتناول القضية الفلسطينية بصورة غير مباشرة، فتصوّر حال السجينة المعتقلة التي تدافع عن وطنها المغتصب، فتبدأ برمزية الخريف الذي يثير في القلب الحنين وتسقط فيه أوراق الأشجار، مبتدئة من الزمن بتحديد ظرف الزمان “ليلة تساقطت أوراق الخريف من عينيك”، لتجد نفسها في جدران المعتقل يغتال حلمها السجان:
“كلما زارني طيفك في المعتقل
فقأ السجان حلمي
وعدتُ إلى الركن المظلم”
حبّ في الذاكرة
وفي زوايا المجموعة يتناثر الحب بصور مختلفة، فيرتبط تارة مع الذكرى التي تدقّ باب القلب، فتلجأ في قصيدة “فنجان قهوة” إلى حضور الغياب، مستخدمة أسلوب تكرار الجملة بتغيير بعض المفردات مع بقاء المعنى ذاته، فاستهلت القصيدة بـ”تغرب الشمس في فنجان قهوتك”، بينما تكرر المعنى ذاته باختلاف بعض المفردات “تخرج الشمس من قعر فنجانك” لتثير في أعماقها بقايا القهوة الحنين “مخلّفة وراءَها ذكرى وطوق حنين”.
الشاعرة حنان الحلبوني حازت على جوائز عدة، وتكريمات، منها حصولها على المرتبة الثانية في مسابقة الشعر التي أقامها مؤتمر الفن والسياسة في الجامعة الكاثوليكية في مدينة سانتيا غودل استيرو- الأرجنتين عن قصيدة بعنوان “حلم جندي”.