“مقاسات فضفاضة”
معن الغادري
كثير من الفشل والإخفاق يلم بعدد ليس بالقليل من برامج وخطط المؤسسات والمديريات على تنوع اختصاصاتها، خاصة تلك التي يتمتع مديروها بصلاحيات مطلقة -إدارية ومالية – ويمسكون بزمام الأمور لدوافع وغايات عدة، منها ما هو ظاهر ويتعلق بـ “البريستيج” والبروظة وخلق هالة من حوله، كحجز المصعد لسعادته عند قدومه وخروجه، وتعداد المرافقين والحجاب والسيارات المخصصة له، إضافة إلى سياسة إغلاق الأبواب بحجة الانشغال الدائم أمام العموم، بمن فيهم الإعلاميون، وغيرها من الأمور التي تدفعك طواعية وعن طيب خاطر إلى عدم الاقتراب من جناح أو طابق المدير، لأي أمر مهما بلغت أهميته.. هذه الهالة المصطنعة والمزيفة والأكثر رواجاً في حلب باتت تشكل مصدر قلق على واقع العمل المؤسساتي المترهل أصلاً، وتجعله أسير مزاجية المدير والحلقة الضيقة جداً المحيطة به، ورهناً لاختياراتها غير المحسوبة، والداعمة فقط لقرارات ورؤية المدير، دون الأخذ بعين الاعتبار الاختصاص والتراتبية الوظيفية – المغيبة تماماً – خاصة في الحالات التي يكون فيها النفع شخصيا بحتا.
لا شك أن هذا المشهد، الذي بات مألوفاً في معظم المديريات والمؤسسات في حلب ذات الطابع الاقتصادي والخدمي، يفسر حالة الانكماش وربما الانكسار في مجمل البرامج والخطط والمشاريع، وتسبب بخسارات مالية كبيرة، وبانخفاض مؤشر النمو والإنتاج إلى أدنى مستوى، ما زاد من حالات الفساد التي أرهقت منظومة العمل برمتها، ووثق العلاقة أكثر بين أشخاص هم — في سدة القرار ومن خارجه – غير مؤتمنين على المال والصالح العام، ما زالوا يصولون ويجولون بلا حسيب أو رقيب، ومنهم من نرى صورهم حالياً منتشرة في ساحات وشوارع المدينة كمرشحين للمجالس المحلية والوحدات الإدارية.
ما نود التأكيد عليه أن حلب، التي ما زالت تحت تأثير فاجعة حي الفردوس، تستحق الأفضل، وتحتاج أشخاصا من خارج دائرة لعبة المصالح والمنافع والمحسوبيات،كما تحتاج أكثر من ذلك إلى فريق عمل حقيقي يؤمن بحتمية التغيير في الذهنية والسلوك والممارسة، بعيداً عن التفرد بالقرار، والمكاسب والامتيازات وهدر المال العام. ونعتقد أن أي تأخير في معالجة ما تعاني منه إدارات المؤسسات في حلب سيضاعف حدة الأزمات، وسيؤخر عملية النمو والنهوض، وستأتي نتائج الدعم والاهتمام التي حظيت به حلب مؤخراً عكسية، وستوظف في غير مكانها وزمانها، وعلى مقاسات فضفاضة تناسب فقط من يسعى جاهداً لحرف البوصلة عن المسار الطبيعي.