حروب الانتقام تحت شعار مكافحة الإرهاب!
عناية ناصر
مع مرور الذكرى السنوية الحادية والعشرين على هجمات الحادي عشر من أيلول، من الواضح أن معظم العالم قد تأثر في العقدين الماضيين بحروب الانتقام التي شنّتها الولايات المتحدة في حربها المزعومة على الإرهاب، ليصبح الوضع العالمي أكثر تعقيداً وفوضى.
وعلى مدى السنوات الـ21 الماضية، شنّت الولايات المتحدة، تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، حروباً في الخارج تسبّبت بمعاناة هائلة لشعوب البلدان الأخرى. وحتى فكرة تصدير “نظامها الديمقراطي” إلى دول الشرق الأوسط لمواجهة الإرهاب، واجهت هي الأخرى تطرفاً متزايداً أيضاً في الداخل الأمريكي في المجالات السياسية والاجتماعية.
وبالنظر إلى ميل الولايات المتحدة للانخراط المتعمّد في العدوان العسكري والسعي إلى الهيمنة، تأكد لدى الجميع أن هجمات الحادي عشر من أيلول فتحت ستارة الولايات المتحدة المسمّاة “الحرب العالمية على الإرهاب” من أجل جعل نفسها المسيطرة على العالم، ولهذا تدخلت في دول مثل العراق وأفغانستان.
ومن خلال “محاربة الإرهاب” في الخارج، عزّزت الولايات المتحدة المزيد من الاضطرابات حول العالم من أجل البحث عن فرص لمكاسب مادية مثل السيطرة على الموارد المحلية. ولعلّ خير مثال على ذلك، هو تكثيف جهودها مؤخراً لسرقة النفط من سورية، حيث تعبّر هذه السرقة عن استعداد الولايات المتحدة لاتباع أية وسيلة للاستفادة منها في عمليات نهب وسرقة موارد الشرق الأوسط، فنهب طاقة وموارد الدول الأخرى هو الهدف الحقيقي للولايات المتحدة، حيث كشفت سرقة النفط السوري بوضوح أن الربح والمكاسب الاقتصادية هي الهدف الحقيقي للتدخل العسكري الأجنبي الأمريكي.
لقد مُنيت حرب الولايات المتحدة على الإرهاب بفشل ذريع، كما أنها فشلت في جعل الأمريكيين يشعرون بأمان أكبر، حيث كشف تقرير صدر عام 2021 أن 20 عاماً من حروب ما بعد 11 أيلول كلفت الولايات المتحدة ما يُقدّر بنحو 8 تريليونات دولار. وبدلاً من إنفاق المبلغ على تحسين البنية التحتية ومعيشة الناس، ومعالجة القضايا المحلية، وتحقيق التكافل الاجتماعي، تمّ استخدام هذه المبالغ الضخمة لزعزعة استقرار العالم، الأمر الذي أضعف ثقة الأمريكيين تجاه حكومتهم، وساهم في الانقسام الاجتماعي، والاستقطاب السياسي في السنوات الأخيرة.
في ضوء ذلك، أصبحت قضايا مثل الصراع العرقي والعنف المسلح أكثر بروزاً، والأسوأ من ذلك أن بعض القوى المتطرفة المحلية اكتسبت نفوذاً تدريجياً، ومثال على ذلك هجمات الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021، لتؤكد أن الحزبية المتطرفة تمزق الولايات المتحدة والأمريكيين,
عندما شنّت الولايات المتحدة ما يُسمّى بالحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، انخرطت أيضاً في منافسة جيوسياسية واستراتيجية مع قوى أخرى، ليتبيّن لاحقاً أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب لم تكن في الواقع لمكافحة الإرهاب، بل للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في كلّ من الشرق الأوسط وبقية العالم. وبدلاً من التفكير بالسبب الجذري للهجمات الإرهابية، التي لعب فيها سعي الولايات المتحدة للهيمنة دوراً رئيسياً، صعّد السياسيون الأمريكيون ممارساتهم في الهيمنة، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المشاعر السلبية تجاه الولايات المتحدة على نطاق عالمي، ولاسيما في الشرق الأوسط.
إن الولايات المتحدة، التي تقدم نفسها على أنها “شرطي العالم”، هي المصدر الرئيسي لاضطرابات ومعاناة العالم، وبسبب تدخلها حدثت كوارث إنسانية في مناطق مختلفة، ولا يزال العديد من اللاجئين يتجولون بحثاً عن ملاذ لهم.
في نهاية المطاف، يمكن استنتاج أن نخب صنع القرار في الولايات المتحدة ليست مهتمة برفاهية الشعب الأمريكي، ولا شعوب البلدان الأخرى، وهي بالتأكيد غير مهتمة بالقضاء على جذور الإرهاب، وما يهمّها حقاً هو نهب الموارد في جميع أنحاء العالم تحت اسم أو شعار يختارونه، سواء كان ذلك “الديمقراطية” أو “الحرية” أو “مكافحة الإرهاب”!.