هواجس من “منع جولات الاستعلام الضريبي” واعتبارها امتصاصا لما خلفته الضرائب من صدمات بحق المكلفين
دمشق – البعث
لم يتم إقفال ملف التهرب الضريبي بعد، إذ لا يزال يشكل هاجساً كبيراً للدوائر المالية أجمع رغم اتخاذ وزارة المالية عديد الخطوات الرامية للحدّ منه إلى أدنى ما يمكن، وكان آخرها الربط الإلكتروني مع المنشآت والفعاليات المكلفة ضريبياً، وما أثاره من ردود أفعال متباينة بعضها كان حاداً ولاسيما من قبل المكلفين، وبعضها رحب بالأمر واعتبره خطوة إيجابية وإن تأخرت، لكن الهواجس تملكتهم بذات الوقت بعد أن أصدر وزير المالية قراراً بمنع جولات الاستعلام الضريبي لمدة ستة أشهر، إذ من المفترض أن يلغي الربط الإلكتروني هذا الاستعلام نهائياً، وهنا يبيّن المصرفي قاسم زيتون أن قرار الوزير يشي وكأنه يأتي ضمن سياق امتصاص الصدمات التي خلفتها زيادة الضرائب والرسوم والإلزام بتطبيق الربط الالكتروني للتحصيل الضريبي!
وأكد زيتون أن عملية الربط الالكتروني بغية التحصيل العادل للضرائب هو أكبر إنجاز يسجل لهذه الحكومة، مشدداً على عدم التراجع عنه، لأنه كفيل بوضع حدٍ لتدني التحصيل الضريبي وما رافقه من فساد على مدى سنوات طويلة، وانعكاس ذلك بالنتيجة على الوضع المعيشي والخدمي ككل.
زيتون فضل العودة إلى الوراء قليلاً ليستعرض ما قدمته الدولة من دعم لقطاعات عدة لضمان الاستقرار المعيشي، وما شاب هذا التوجه من إشكاليات، ليستخلص من هذا العرض أهمية الربط الإلكتروني، إذ بيّن أن الدولة السورية اعتمدت في العقود الأخيرة من القرن الماضي اقتصاداً موجهاً قائماً على رعاية الدولة، وقد امتلكت المعامل والمؤسسات التجارية والخدمية ودعمت الزراعة بشكل أساسي لتحقيق الأمن الغذائي، إضافة إلى تحقيق فرص عمل كبيرة ودعم قطاعات مهمة وأساسية كالتعليم والصحة، والمواد الغذائية الأساسية، وقدمت الطاقة بأسعار رخيصة معتمدة بشكل أساسي على ما نملكه من ثروات طبيعية متمثلة في النفط والغاز والفوسفات وغيرها، ونتج عن هذه السياسة تأمين التعليم والصحة والغذاء وفرص العمل لكل مواطن، مبيناً أنه ورغم النتائج المبهرة التي تحققت إلا أنه بقيت هناك عيوب ليست بسيطة شابت النظام الاقتصادي أهمها تردي جودة الخدمات، وضعف الدخل، وانتشار الفساد كنتيجة حتمية لسيطرة الدولة وملكيتها لكل ما له علاقة بالاقتصاد.
وأضاف زيتون أنه بعد عام ٢٠٠٠ قررت الدولة السورية التحول في الاقتصاد باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي، أي تخلي الدولة عن هيمنتها على الاقتصاد مع الحفاظ على الجانب الاجتماعي المتمثل في الإبقاء على دعم الصحة والتعليم والخبز والتحرر التدريجي من عبء الدعم في النواحي الأخرى. وقد نتج عن ذلك نشاط كبير للقطاع الخاص على صعيد التجارة والصناعة وتحسن واضح في الدخول حتى لدى العاملين في القطاع العام، ولكن وللأسف لم يرافق هذا التحول تحولاً جوهرياً في آليات التحصيل الضريبي، والتي هي من أساسيات اقتصاد السوق، وبالتالي لم ينعكس هذا النشاط الاقتصادي وتنوعه على التحصيل الضريبي بالنسبة ذاتها التي شهدها النمو الاقتصادي، وبقي الفساد أحد أهم المشاكل التي عجزت الحكومات عن حلها خلال تلك الفترة.
بعد عام ٢٠١١، ودخولنا في أزمة كادت أن تهدد كيان الدولة، اتجهت الحكومات السورية المتعاقبة إلى إدارة الأزمة، وليتضح أن أكبر مشكلة أو عيب في طريقة إدارة الاقتصاد السوري هو اعتمادنا بشكل أساسي على ثرواتنا الباطنية، والتي كانت تشكل الرافد الأساسي لخزينة الدولة، حيث عجزنا عن اقتناص الفرص في الوقت المناسب، والتحول إلى الاقتصاد الضريبي كنتيجة طبيعية لتحولنا إلى اقتصاد السوق، وعدم الاعتماد على الموارد الناتجة عن ثرواتنا الباطنية.
وخلص زيتون إلى ضرورة الاشتغال على الإنتاج وتعزيزه نظراً لانعكاس ذلك على زيادة التحصيل الضريبي، وبالتالي رفد الخزينة العامة للدولة.