صبحي فحماوي: الرواية أصدق إنباءً من المؤرخين لأن معظمهم يكتب ما يريده الأقوياء
أمينة عباس
روائي أردني، رشَّحت دار الهلال روايتَه “الأرملة السوداء” الصادرة في العام 2011 للتقدم لمسابقة جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، كما رشحت روايته “سروال بلقيس” لنفس الجائزة، وفي العام 2014 نال جائزة الطيب صالح عن مسرحية بعنوان “حاتم الطائي المومياء” وفي رصيده ثلاث عشرة رواية، وفي فترة كورونا أنجز ثلاث روايات، وفي زيارته الأخيرة لدمشق التقيناه وكان الحوار التالي:
*حين اخترت الكتابة مساراً لحياتك لمن قررتَ أن تكتب؟
**كتبتُ ومازلتُ أكتب للناس، للإنسان أينما كان، وأنا لا أكتب للطبقة الأرستقراطية أو طبقة الأغنياء لأنني لا أنتمي إليها فكرياً وإنما أنتمي للطبقة المظلومة في كل مكان،ولأي إنسان يعاني الضيق،ولكن بالتأكيد أهتم بالوطن العربي وما يجري فيه، وأحب وطني الكبير، فلسطين وسورية ولبنان والأردن والعراق، وأخفي في الذاكرة قضيتي الفلسطينية، وبالتالي أحاول أن أُبرز المعاناة التي يعيشها الإنسان العربي، وأن أعبّر عن مشاعره، كما أحاول بطريقة روائية أن أؤرخ، مع أنني لستُ مؤرخاً.
*احتلت الروايةُ حيزاً كبيراً من إبداعك، فماذا يعنيك فيها بالدرجة الأولى؟
**أقدم من خلال الرواية المتعة لأن الرواية أولاً وأخيراً عمل ممتع، فيها لذة القصّ، وأنا عندما أكتب أطمح لأن يستمتع القارئ بما أكتبه، إلى جانب سعيي لتقديم المعرفة فيها لأن كثيراً من الناس يجهلون وقائع كثيرة، فأحاول أن أضيء على الزوايا المعتمة التي لا يراها الناس العاديون لأوضح لهم أن هناك مشكلة أو قضية عبر جماليات النص واللغة لأنني أؤمن أن لغتنا أجمل لغة في العالم، وهي لغة فريدة من نوعها، ثرية وغنية ودقيقة، وهذا لا يتوفر في اللغات الأخرى.
*ما الذي جعلك تشبّه الروائي بزرقاء اليمامة؟
**زرقاء اليمامة كانت ترى المستقبل، ومن هنا أرى أن الروائي يجب أن يكون كزرقاء اليمامة بعيد نظر، وفي روايتي “الاسكندرية 2050” نظرتُ إلى البعيد وتحدثت عن الحياة عام 2050 كنوع من استشراف المستقبل.. الروائي يجب أن يفكر بالمستقبل ويقرأ الواقع.
*ما أبرز ما يجب أن يتمتع به الكاتب برأيك؟
**يجب أن يكون الكاتب مثقفاً، وأن يمتلك معرفة ليوظفها في كتاباته، ويجب أن لا يكون تابعاً لأحد، وأن ينطق بلسانه لا بلسان أحد، وهذا يعني أن الكاتب يجب أن يكون حراً وغير مكبّل أو مقيّد.
*وكيف تنظر للكاتب المأجور؟
**الكثير من الكتّاب يكتبون لمن يدفع لهم أكثر، وهؤلاء ليسوا كتّاباً بل مرتزقة، وأحتقر كلّ كاتب ليس لديه موقف وقضية ويكتب لمن يدفع له أكثر.. الكاتب الحقيقي يجب أن ينطق بمشاعره وأن يكون له مبدأ أو قضية أو وجهة نظر لأنه عندما تكون له قضية يسير حسب بوصلة توجهه إلى الهدف المنشود.
*مسيرة غنية بالرواية والمسرح والقصة،فما سبب هذا التنوع؟ وهل هو نوع من التشتت؟
**المسرح هو أبو الفنون، والرواية أم الفنون ففيها نجد الشعرَ والقصةَ والحكاية والموسيقا والفكر، وأؤكد أن هذا التنوع ليس نوعاً من التشتت لأن ما أكتبه يكمل بعضه.
*بمن تأثرتَ على صعيد المسرح علماً أن لك نصوصاً عديدة في هذا المجال؟
**تأثرتُ بالمسرحيات الإغريقية لسوفوكليس ويوريبيدس وأرسطوفان، ومعظم مسرحيات شكسبير، والفرنسي موليير، وجان راسين، وآرثر ميللر، إضافة إلى المسرح العربي ابتداء من مسرح القباني والكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس، بالإضافة إلى الكتّاب العرب كاتب ياسين، توفيق الحكيم، محمود دياب، نعمان عاشور، وغيرهم.
*هل ما زلتَ تكتب للمسرح؟
**توقفتُ عن الكتابة للمسرح حين أُطفئتْ أنواره في الوطن العربي.. المسرح يعاني الكثير في الوطن العربي، وقد نجح التلفزيون في استقطاب جمهوره.
*هل كتبتَ الشعرَ كما فعل معظم الكتّاب؟
**بدأتُ بكتابة الشعر من خلال كتابة عدة قصائد، وحين عرضتُ هذه القصائد على أحد الأصدقاء نصحني بترك الشعر والالتفات إلى دراستي، فتوقفتُ عن كتابة الشعر واستمريتُ بالقراءة، وكنتُ كثيراً ما أنجز كتاباً في اليوم، وعندما جئتُ من فلسطين إلى الأردن كان لديّ جوع للقراءة فالتهمتُ كل ما كان يقع بين يدي من كتب.
*لديك مهارة كبيرة في قصّ الحكاية، فمن أين اكتسبتَها؟
**أنا قارئ نهم منذ طفولتي، وأقرأ بلا توقف وبتركيز عالٍ، وكنتُ من متابعي السينما والمسرح، وبذلك تشكل عندي مخزون ثقافي كبير، والأهم أنني كنتُ في طفولتي شخصاً صامتاً لا يتكلم إلا قليلاً، وكانت الكتابة وسيلتي للتعبير.
*تميل في كتاباتك إلى الرواية التاريخية، فما الذي يغريك فيها؟
**اعتدتُ على قراءة كتب التاريخ، وأرى أنني أضيف عمراً إلى عمري حين أغوص فيها، ومَن يكتب رواية تاريخية يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد وإلى التدقيق والبحث والدراسة للتأكد من صحة ما تتضمنه هذه الكتب، فالأمر لا يخلو من تزوير الحقائق فيها في بعض الأحيان.
*كيف تتعامل مع التاريخ بحيث لا يطغى التاريخ على الأدب الذي تكتبه؟
**أؤمن أن الرواية أصدق أنباءً من المؤرخين لأن معظم المؤرخين يكتبون ما يريده الأقوياء، ويجب أن نعرف أن بعضَ المؤرخين زوّروا الأحداث، ولنا فيما حدث في سورية خير مثال حين قدم بعضهم صورة مغايرة عن الأحداث التي حدثت فيها،ولا أنكر أن الروائيّ قد يفعل ذلك أيضاً، إلا أنني أؤكد أنني أكتبُ الحقيقة في كتبي، وبقناعتي أن المؤرخين ليسوا صادقين، والروائي يكتب بحرية أكثر منهم، ويؤرخ بشكل أفضل.
*كيف تنظر إلى موضوع الجوائز التي تُمنَح للكتّاب والمنتشرة في الوطن العربي؟
**الجائزة لا تُعتَبَر معياراً للحُكم على جودة عمل الروائي، وقد قال أحد النقاد إنهم ذاهبون لمنح جائزة هذه الدورة إلى فلان، وهم سيذهبون لمنح الجائزة قبل قراءة النصوص، وقد يكون هناك أشخاص خلف الكواليس لديهم حق الفيتو هم الذين يقررون مسبقاً دون الاطلاع على الأعمال لمن ستؤول الجائزة، وهذا مؤسف حقاً، فالعديد من المبدعين الرائعين لم يحصلوا على جوائز.. صحيح أن هناك تهافتاً من قبل معظم الكتّاب للحصول على جوائز مالية، لكن الأهم من قيمة الجوائز المالية الحصول على مزيد من القراء لجعلِ أعين النقاد تتجه صوب أعمالهم، وحتى تنال قسطاً من الشهرة، ويزداد الاهتمام بها بسبب حصولها على الجائزة، وهذا يدلّ على الركود الذي يغرق فيه مجال النقد، فبعض النقاد حالياً ليس لهم الوقت ولا القدرة على النبش والبحث عن الأعمال الجيدة الجديدة ودراستها، لهذا فهم ينتظرون نتيجة جائزة ليتهافتوا على نقدِ العملِ الفائز بها.
*ولكنك نلتَ جائزة الطيب صالح عام 2014 فبماذا تختلف هذه الجائزة عما ذكرتَه؟
**نلتُ هذه الجائزة من شعب عظيم، ودون ذلك لم أحاول أن أشارك في الجوائز الأخرى التي يتم الإعلان عنها، مع قناعتي أن الكاتب يجب أن يكتب ما يريده هو وليس من أجل الحصول على الجائزة، وأنا لا أكتب حسب الطلب بل أكتب للناس البسطاء، ومتطلباتي قليلةـ ولستُ بحاجة لهذه الجائزة، فأنا بحاجة لأن أكتب بحريةٍ لأفرغ ما في جعبتي، وأكتبُ وأبدع ليس من أجل الجوائز وليس لدي ميل لتقليد الآخرين بل لأُقدّم بصمتي الخاصة، لذلك يسعدني من يقول أنه يعرف كتابتي بمجرد قراءة النص حتى لو لم يكن اسمي مذكوراً عليه، وهذا ما أريده.
*كيف تفسر غياب النقد الحقيقي عن الساحة الإبداعية؟
**النقد يحتاج لناقد موسوعيً، والناقد الأصيل يتوقف عن الكتابة لأنه لا يحصل على المقابل، وبالتالي فهو يريد أن يعيش، وهذا يجعله يبحث عن مصدر رزق آخر، وأصبح الناقد في حالة يرثى لها، وبقي المرتزقة في الساحة.
*هل أنصفك النقد؟
**لا، لم ينصفني، وأنا من الذين يتجاهلني النقد رغم أن عندي ثلاث عشرة رواية وما زلت مهمشاً نقدياً.
*إلى أي حدّ تكون حيادياً في كتاباتك؟
**أنا حادّ في كتاباتي ولستُ حيادياً، وأشير إلى الصح والخطأ ولا أتخفّى وراء الأشياء ولا أكتب كتابة رمزية،بل أكتب بوضوح وأسمي الأشياء بأسمائها.
*تحدث كثيرون عن السخرية في كتاباتكـ، فهل أنت كاتب ساخر؟
**قد يكون أسلوبي في بعض الأحيان ساخراً، لكن يحدث هذا دون أن أقصد، فأنا بطبعي أمزج المرح مع الترح، وبالتالي لا أتقصد السخرية وإنما يأتي الأمر بشكل طبيعي، وأنا لا أخطّط لذلك.
*كمهندس حدائق زرع أكثرَ من مليون شجرة في الأردن، وكعضو في الجمعية الأميركية لمهندسي الحدائق ماذا قدّم عملك للأدب الذي تكتبه؟
**هناك تصور لدى العامة أن كل من يكتب في الأدب يجب أن يكون دارساً أكاديمياً للأدب، وأنا أرى أن العيش وسط الزرع والورود والأزهار هو أقرب للإيحاء بالكتابة والإبداع من غيره، فالكتّاب القدامى مالوا إلى الإبداع لأنهم تأملوا الطبيعة واستنطقوها، إذ أن عالم الزراعة هو الأكثر انفتاحاً، فكلّ من مهنة الطبيب والمعلم والحلاق والإسكافي تُمارّس بين أربعة جدران إلا الزراعة، فهي تتم في الهواء الطلق.. ومن هنا لا حدود لخيال الكاتب الذي يعيش وسط الطبيعة.
*كيف تصف نفسك؟ وإلى ماذا تطمح؟
**أصف نفسي بكلمات شكسبير في مسرحية “الملك لير”: “أنا رجل أخطأ الآخرون بحقه أكثر مما أخطأ بحقهم”.. وأطمح إلى وطن مشرق عزيز وإلى أمة عربية موحدة.
*ما هو جديدك على صعيد الرواية؟
**أخطط لرواية جديدة، وإذا نجحتُ في كتابتها أكون قد أنجزتُ أجملَ رواية، لكن كتابتها تحتاج إلى وثائق كثيرة، وهي تتحدث عن كليوبترا المرأة التي دافعت عن وطنها.
صبحي فحماوي
كاتب روائي أردني، له ثلاثة وعشرون كتاباً تنوعت بين المسرح والقصة الروائية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين واتحاد كتّاب مصر ونادي القصة المصري واتحاد الكتاب العرب في سورية ومهندس حدائق زرع أكثر من مليون شجرة في الأردن، وهو عضو في الجمعية الأميركية لمهندسي الحدائق.
من رواياته: “الحب في زمن العولمة-حرمتان ومحرم-قصة عشق كنعانية-على باب الهوى-سروال بلقيس” وغيرها.