هل يعجّل زيلنسكي بالهزيمة النهائية لأوكرانيا؟
تحليل إخباري
يعتقد بعضهم من منظوره الضيق أن العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا أخذت منعطفاً جديداً لمصلحة قوات نظام كييف، معتبرين أن الإنسحاب التكتيكي الذي نفّذته القوات الروسية على عدة جبهات لإعادة تجميع وتنظيم قواها هو بداية هزيمة، مستشهدين بصور بعض الآليات أو مستودعات الذخيرة التي زعموا إن القوات الروسية تركتها، محاولين إضفاء طابع العبثية وعدم التنظيم لعملية الانسحاب، متناسين أن القوات الروسية اكتسحت في عمليتها أكثر من خمس مساحة أوكرانيا، ومن جهة أخرى تتعالى التصريحات الثملة لرئيس نظام كييف فلاديمير زيلينسكي الذي تظاهر بالتقاط الصور في عدد من الأحياء التي وصفها بالمحرّرة، متناسياً أنها باتت جبهاتٍ مفتوحة وقد تُباد قواته الموجودة فيها بأيّ قصف بسهولة تامة، مدعياً أنه هو من “حرّر” مساحة 6000 كم مربع من أراضي الجنوب الأوكراني وشرقه. كذلك يتناسى زيلينسكي أنه حشد أعداداً تفوق 8 – 10 أضعاف عديد القوات الروسية في مكان واحد ووقت واحد لـ “إجبارها على إعادة التموضع”، ظناً منه أنه بذلك قد أنهى الحرب وبات يُملي شروطه وشروط مشغّليه ابتداءً من قطع التفاوض، حالماً بإعادة السيطرة أيضاً على الأقاليم التي استقلت عنه في شبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك.
وفي خطوة لا تخلو من السذاجة عرضت كييف ما سمّته “وثيقة كييف الأمنية” مطالبة الدول الحليفة لها بالوقوف معها عسكرياً “رغم طول الخذلان الذي أظهروه أولئك الحلفاء”.
أيضاً نسي زيلينسكي فلسفات وقواعد الحروب، فإعادة الانتشار ليست هزيمة بالعرف العسكري، ولا يمكن اعتبار كل إعادة تموضع للقوات الروسية على أنها نصر مؤزّر، وخاصة أنه لم يمضِ سوى يوم أو اثنين عليها، دون معرفة حجم العاصفة التي ستهزّ كيان قواته في تلك الرقعة التي ادّعى استرجاعها، لأن الواقع في الميدان يشي بأن عدداً كبيراً من القوات الأوكرانية التي دخلت إلى المواقع التي أخلاها الجيش الروسي تمّت إبادته.
فحتى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن رفض الاعتراف بنصر أوكراني أو حتى وصف الوضع بالمريح ولم يبنِ تكهناتٍ حول الوضع الحالي.
وعلى عكس الانتصارات الكلامية الوهمية للجانب الأوكراني، تؤكد روسيا أن الانسحاب كان مخطّطاً له ولا يعدّ انتصاراً أو تقدّماً لذاك الجانب، ويحضرنا السؤال هنا: هل تضمن أوكرانيا كمية الزخم الاستخباري والمساعدات بالسلاح التي حصلت عليها مؤخراً لدرجة إفراغ مخازن السلاح في دول شرقي أوروبا والبلطيق؟ وهل حسبت ما تخبّئه لها الساعات القادمة من تكتيكات روسية ستقضّ مضاجعها؟
فروسيا ترى أن تصريحات زيلينسكي حول “وثيقة كييف” في غاية الخطورة والتهديد للسلم العالمي والدفع نحو حرب عالمية ثالثة، لمجرّد دعم مجموعات نازية أوكرانية، كما ترى أن استمرار معسكر القوى الغربية بإمداد نظام كييف بالأسلحة الخطرة والدعم المالي واللوجستي سينقل العملية الروسية الخاصة في وقت قريب ربما إلى عملية عامة أو إلى مستوى آخر سيحمل في طيّاته مزيداً من الخطر لمصالح تلك الدول، فروسيا منذ اللحظة الأولى وصفت عمليتها الخاصة بأنها ستصحّح التاريخ والأخطاء التي تسبّبت في نشوء أوكرانيا ومن ثم سيطرة قوى مهدّدة للأمن الروسي فيها، وكذلك أكد الكرملين استمرار العملية حتى تحقيق أهدافها، مستبعداً وجود بوادر للتفاوض من نظام كييف في الوقت الراهن.
ومن جهة أخرى، يجب التذكير بإمكانية توسّع روسيا في قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا أو ربما حدوث صدام مباشر مع الغرب أو “الناتو” أو استخدام روسيا لمستويات أعلى من السلاح التقليدي الذي تستخدمه الآن وصولاً إلى السلاح النووي التكتيكي الذكي الذي قد يبيد قوات نظام كييف في ساعات أو أيام، إضافة إلى الخطر الإشعاعي الذي ربما قد يصل إلى أراضي أوروبا التي تتعامى حتى اللحظة عن حسابات التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.
بالمحصلة، يبقى السؤال الأصعب: لماذا يتابع زيلينسكي قيادة قواته وبلاده نحو مزيد من الدمار والفناء، وبالأحرى لماذا يسير داعموه ومشغّلوه في دروب الخطر والرعب الذي أخذ يشلّ الإمكانات الاقتصادية لأوروبا ويضعها في وسط سيناريو يمثل تتمة السؤال، وهل ستتحول العملية الخاصة إلى حرب شاملة وربما نووية ضد أوروبا، وخاصة بعد أن حذّرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية بالقول: “إن روسيا تحتفظ بحق الردّ بالشكل المناسب إذا قرّرت واشنطن تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى”، منوهةً بأنها ستكون طرفاً مباشراً في النزاع الأوكراني.
بشار محي الدين المحمد