المجاعة في الصومال.. التحذير الأخير قبل الفناء
ريا خوري
تعرّضت الصومال، وما زالت، للمزيد من الجفاف الذي يؤدي إلى المجاعة التي تحصد آلاف الأرواح. من هنا كانت أجراس الإنذار تُقرع منذ سنوات عدة دون أن يكترث أحد، أو يلقي لها بالاً أو أهمية، حيث لم تلقَ الأزمة تعاملاً جدياً على المستوى الدولي والمنظمات الدولية، ولم يتمّ تسليط الضوء على هذه القضية الإنسانية الملحة، على الرغم من أنها فتكت بحياة مئات الآلاف منذ عام 1992، بينما ما زالت تتربص بالملايين، جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، لتضعهم على خانة الأموات والفناء.
وعلى الرغم من ذلك الخطر، يطمح الشعب الصومالي في الوقت الحالي إلى البقاء على قيد الحياة فقط، لكن يبدو أن الجفاف الذي ضرب الصومال مؤخراً، ووضع أهله على حافة المجاعة، أصبح يطمح إلى الحصول على شربة ماء نظيفة في ظلّ العديد من الأزمات المتشعبة التي ليس لها أي أفق للحل، بدءاً من أزمة الغذاء مروراً بالفشل الحكومي الإداري والصراعات على السلطة ومراكز القوى، وليس انتهاء بالوضع الأمني الصعب والكارثي.
لقد نشرت منظمة اليونيسيف أرقاماً مهولة، حيث أعلنت عن إحصاء نحو سبعمائة وثلاثين طفلاً توفوا بين شهر كانون الثاني وشهر تموز الماضيين بمراكز تغذية في الصومال، بل إنها قدّرت أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير بعدما بلغ سوء التغذية مستويات غير مسبوقة. كما تضمن تقرير اليونيسيف إحصائيات جديدة تعبّر عن خطورة الوضع في الصومال، فقد ورد أن نحو مليون ونصف المليون طفل، أي نحو نصف الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات، معرضون لخطر سوء التغذية الحاد، وأن أكثر من ثلاثمائة وخمسة وثمانين ألفاً من بينهم سيكونون بحاجة إلى علاج صحي نتيجة سوء التغذية الحاد، وأن نحو أربعة ملايين ونصف المليون شخص بحاجة إلى إمدادات المياه النظيفة بشكل طارئ، بينما يطالُ الجفاف أكثر من سبعة ملايين وثمانمائة ألف شخص، يشكلون نصف السكان تقريباً، بينهم مئتان وثلاثون ألفاً معرضون لخطر المجاعة.
لقد تسبّبت المجاعة بالعديد من الأمراض التي بدأت تتفشى كالإسهال الحاد والحصبة بحالة كارثية، كما تسبّب الجوع والعطش بتشريد مليون شخص منذ العام الماضي، حيث أشارت العديد من التقارير والمعطيات إلى أن دولة كاملة في طريقها إلى العدم والفناء النهائي، وأن هلاكها بات قاب قوسين أو أدنى إذا لم يتمّ تحرك دول العالم ومنظماته الإغاثية لوضع خطط طوارئ لتخليص الشعب الصومالي من براثن الموت جوعاً ومرضاً، تماماً كما يحتشد المجتمع الدولي الآن لدعم أوكرانيا سياسياً وعسكرياً ولوجستياً ويغدق عليها أمولاً طائلة.
ومن الواضح أن العالم الغربي يكيل بمكيالين وينظر بعين واحدة، ودوله الغنية لا ترى غير مصالحها فقط، أما التغنّي بحقوق الإنسان والحفاظ على كرامته وحقوقه، وعقد المؤتمرات والاجتماعات واستخدام الإعلام المخادع الذي يتصدّر المشهد حول الوقوف مع الدول المقهورة والفقيرة، فما هو إلا بربوغندا إعلامية هدفها تخدير الشعوب، ومحاولة الظهور بالمظهر الأخلاقي لا غير.
وعلى الرغم من الدعم المقدّم للعاصمة الصومالية مقديشو من بعض الدول، إلا أن إنقاذ هذا البلد الفقير يحتاج إلى خطة كبيرة كخطة “مارشال” كي يقف مجدداً على قدميه، ويتجاوز السنوات العجاف وما تلحقه من كوارث. إن حياة ملايين الصوماليين مهمّة، كما هي حياة الأوكرانيين، أو أي بؤرة صراع أخرى في العالم، ولا بدّ من تحرك عالمي وعاجل لإنقاذ الصومال من محنته.