مروان أبو جهجاه: التأليف عرّفني على أسرار آلتي
ملده شويكاني
“لا تستطيع الحجارة أن توقف جريان الحياة”، الومضة التي كتبها عازف الفيولا والمؤلف الموسيقي مروان أبو جهجاه لتوحي بمضمون مقطوعة “النهر” التي استمدّ عنوانها من عناصر الطبيعة، إلا أنها تحمل بعداً فلسفياً عميقاً يدلّ على الحياة التي لا تتوقف وتستمر رغم كل شيء.
“النهر” كانت حاضرة في الأمسية الثلاثية بعنوان “أفكار مسموعة” على مسرح الدراما في دار الأوبرا، والتي جمعت بين عازف الفيولا مروان أبو جهجاه وعازفة الكمان رزان قصار وعازف البيانو أغيد منصور، وخُصّصت لعزف مؤلفات أبو جهجاه التي تطلق تجربته التأليفية الأولى ضمن برنامج متكامل.
وتميّزت المقطوعات بجمالية عناوينها الموحية بقراءات متعدّدة يستشفها المتلقي من الأبعاد اللحنية، منها: “ميلاد”، “دخان”، “حركة لا تتوقف”، “آلتي”، “صلاة”، من أنماط موسيقية متعدّدة، منها الفالس والسماعي ورقصة التشاتشا، وأغلبها من قوالب حديثة حرة، ويتسم بعضها بمسحة شرقية، ولابد من وجود تقاطعات وسمات مشتركة بين جميع المقطوعات تدلّ على بصمة المؤلف وهويته الموسيقية. وتميّزت بالبدايات المختلفة بين الفيولا والكمان والبيانو وبالفواصل الصغيرة للكمان والبيانو في مواضع، وبالقفلات القوية في الغالب، وركز المؤلف على تقنية العزف على الوتر للكمان والفيولا، أما البيانو فكان الحامل الأساسي بأبعاده الصوتية، وخاصة في بعض المقطوعات الصعبة وذات الإيقاع السريع.
سارد الومضات
وقد استند أبو جهجاه إلى تقنية الغرافيك بعرض لوحات متحركة تساعد المتلقي على إيضاح الفكرة بتعبيراتها البصرية وألوانها، إضافة إلى صوت سارد الومضات الخاطفة التي تعبّر عن أفكار أبو جهجاه، والتي كان لها وقع على جمهور الأوبرا الذي أصغى بشغف لمؤلفاته، وتفاعل بكلّ المقطوعات وخاصة مع مقطوعة “عطلة”.
ومن المقطوعات المتميزة: “ليلة بلا نوم”، “الليل الطويل يمنحنا قدرة على التأمل”، أما المقطوعات التي كان فيها دور كبير للبيانو، فمنها شوزوفينيا “في داخل كلّ شخص شخصيتان وربما أكثر” والتفاعل الكبير كان مع مقطوعة عطلة “هناك دائماً وقت للترفيه” المؤلفة على إيقاع رقصة التشاتشا ذات الإيقاع السريع، إذ أظهر العازف أغيد منصور على البيانو إيقاعها المتلاحق وجملها الموسيقية الصغيرة المتتالية.
واختُتمت الأمسية بمقطوعة “في النهاية” التي كانت أشبه بخلاصة للأمسية التي أضافت نجاحاً جديداً على صعيد التأليف الموسيقي للموسيقيين السوريين.
أبعاد أخرى
وعلى هامش الأمسية، أوضح أبو جهجاه لـ “البعث” أن عنوان الأمسية “أفكار مسموعة” يعكس أفكارا راودته، تعبّر عن الحبّ والتأمل وإيجاد الحلول، وعن الحياة والقدرة على الاستمرار، وتابع: لم أقصد المعنى الحرفي لاسم المقطوعة مثل النهر، وإنما أوحي للمتلقي بأبعاد أخرى قد يصل إليها وربما يذهب إلى اتجاهات أخرى وفق رؤيته. كما تحدث عن تجربته بالتأليف التي تبلورت في هذه الأمسية، بعد محاولات متفرقة، واستغرقت قرابة عامين من العمل.
صعوبة بالتوزيع
أما عن التشكيلة الموسيقية الثلاثية بينه وبين الكمان والبيانو، فهي موجودة كفرقة صغيرة لها نشاطاتها وأراد التأليف لها، ووجد صعوبة في التوزيع للآلات الثلاث فقط، كون الأوركسترا تعطي المؤلف أبعاداً أكبر بالتوزيع والأصوات، لذلك كان الاعتماد على البيانو بإظهار عدة أصوات في بعض المقطوعات الصعبة، مثل شوزوفينيا التي ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بالمرض النفسي، قد تكون مرتبطة بحالة اجتماعية معيّنة، وكذلك دخان وعطلة، وتطلبت التوافق بالأيدي وحرفية بالأداء كما عزف أغيد منصور.
أسرار الآلة
وحول أهمية تجربة التأليف الموسيقي للعازف، أجاب بأن التأليف ملكة قد يمتلكها العازف وربما لا، وبالنسبة إليه توجد لديه غزارة بالعزف والألحان، فتعرّف من خلال التأليف إلى تفاصيل صغيرة وأسرار تتعلق بآلته الفيولا.