“بيلوسي”.. سفير الأزمات المتنقل
تقرير إخباري
ارتبط اسم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، في الفترة الأخيرة بزيادة التوتير في عدد من المناطق المتوترة أصلاً، ولم تمضِ أسابيع قليلة على زيارتها الاستفزازية لجزيرة تايوان التي أثارت حفيظة الصين، وقرّر الجيش الصيني على أثرها تنفيذ مناورات عسكرية واسعة النطاق في محيط الجزيرة، حتى واصلت بيلوسي زياراتها الاستفزازية لتحطّ رحالها في منطقة القوقاز، حيث وصلت برفقة عدد من أعضاء الكونغرس إلى يريفان عاصمة أرمينيا، وجاءت الزيارة على خلفية الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين الجيشين الأذربيجاني والأرميني.
هذه الزيارة، وإن جاءت تضامنية مع أرمينيا شكلاً في مواجهة الاعتداءات الأذربيجانية، إلا أنها من حيث المضمون تحمل في طيّاتها محاولة للتأثير في الداخل الأمريكي مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تراجع حظوظ الحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه بيلوسي في الانتخابات على خلفية إخفاقات الإدارة الديمقراطية للرئيس الأمريكي جو بايدن في معالجة الأزمة الاقتصادية والتضخّم والطاقة وارتفاع معدلات الجريمة والعنصرية وغيرها من الأزمات الاجتماعية التي تعاني منها أمريكا.
كذلك تسعى بيلوسي من زيارتها يريفان إلى محاولة التأثير في أرمينيا للانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تعدّها واشنطن تابعة للنفوذ الروسي، وهو ما يعدّ تدخّلاً شبيهاً بما جرى في أوكرانيا ويندرج ضمن إطار المحاولات الغربية لحصار موسكو، علماً أن روسيا تُعدّ الحليف العسكري الرئيسي لأرمينيا، ولها قاعدة عسكرية في شمال أرمينيا وقوات حفظ سلام على طول خط التماس في ناغورني كاراباخ الذي خاضت أرمينيا وأذربيجان أكثر من حرب عليه.
وعلى خلفية الوساطة الروسية وتوقف القتال بين الطرفين، ولتعطيل الجهود الروسية لإحلال السلام بين أرمينيا وأذربيجان، جاءت الزيارة أيضاً، وخصوصاً أن الجانب الأذري أصدر بياناً أدان فيه الزيارة وتصريحات بيلوسي خلالها، وهو ما يشي بعودة التوترات بين البلدين.
وبالعودة إلى محاربة النفوذ الروسي في أرمينيا ومحاولة تأليب القادة والشعب الأرميني على موسكو، ادّعت بيلوسي أن يريفان أصيبت بخيبة أمل من ردّ روسيا على طلب المساعدة الذي تقدّمت به الحكومة الأرمينية إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي وقرّرت المنظمة على أثره إرسال متقصّي حقائق ومراقبين إلى أرمينيا، وقالت بيلوسي: “من المثير للاهتمام أنهم أصيبوا بخيبة أمل لأنهم حصلوا على متقصّي الحقائق، وليس الحماية من تلك العلاقة وسنرى ما سيحدث بعد ذلك’.
وحاولت بيلوسي رغم تلك التصريحات نفي مساعيها الهادفة إلى انسحاب أرمينيا من معاهدة منظمة الأمن الجماعي، وقالت: الولايات المتحدة لا تعلّق على عضوية أرمينيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وإمكانية انسحابها من المنظمة، مشيرةً إلى أن يريفان وحدها يمكنها اتخاذ مثل هذه القرارات.
وفي المقلب الآخر، لا تغيب عن بال بيلوسي أيضاً العلاقات المميزة التي تجمع إيران وأرمينيا، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان على خلفية الاشتباكات الحدودية الأرمينية مع أذربيجان، حيث قال: “الحدود التاریخیة لإيران وأرمینیا أرضية مناسبة للرفاهیة والتضامن والوفاق والأمن الإقلیمی، وطهران عازمة علی مواصلة الشراکة في کل المجالات لمصلحة الأمن وتوفیر الرغد في المنطقة”.
بالمحصلة، تقوم السياسة الأمريكية الخارجية على زيادة التوتر في المناطق المتوترة أصلاً، وهو ما يسمح بمدّ نفوذها ومحاربة خصومها في مناطق الجوار الخاصة بهم، وزيارة بيلوسي لأرمينيا ومن قبلها لتايوان تأتي لمواجهة روسيا والصين وإيران وزرع القلاقل والاضطرابات في الفضاء الجغرافي المحيط بهؤلاء الخصوم لتسهيل استهدافهم إما عبر مجموعات تخريبية متسرّبة من الدول المضطربة المجاورة لهم، أو عبر تحويل جيوش تلك الدول إلى جيوش عدوّة مستعدّة لوضع نفسها في خدمة المخططات الأمريكية، حتى لو أدّى ذلك الدور إلى تدمير بلدانهم كما حصل في أوكرانيا.
إبراهيم مرهج