ورشة “وصل”.. توظيف الختم في اللوحة التشكيلية
أكسم طلاع
ترافقتْ صناعة الأقمشة بحرف مواكبة ومكملة لها، مثل الصباغة والطباعة القماشية اليدوية، فمنذ مئات السنين اشتغل الحرفي السوري في رسم هذه التزيينات على قوالب خشبية مصنوعة من خشب الإجاص، حيث يتمّ حفرها بشكل غائر أو نافر تغمس في الصباغ وتطبع على القماش. هذه العملية من الطباعة مشابهة لطريقة “التبصيم” تماماً، بحيث تكرّر هذه الرسوم على القماش، ومن ثم تأتي عملية تثبيت اللون باستخدام مواد مثبتة خاصة، وقد اشتُهرت دمشق وحماة وحلب بهذه الحرفة الفنية.
في محاولة لإحياء هذا الأثر، أقامت مجموعة من الفنانين الشباب، بإشراف الفنان فادي العساف، وهو من أستاذ قسم الحفر في جامعة دمشق، ورشة عمل فنية تعمل على تجميع ما أمكن من النقوش والرسومات التراثية السورية الموجودة على الأقمشة القديمة بتقنية هذه الطباعة وإعادة إحيائها من خلال رسمها ثانية، وتحويل هذه الرسومات إلى أختام وطباعتها يدوياً على القماش ضمن لوحة تشكيلية تحمل قواعد وتكوين العمل الفني بعيداً عن شكلها التقليدي الذي يعتمد التكرار وملء السطح بالنقوش.
هذه التجربة تحمل مضموناً إحيائياً للتراث من جهة، كما تحمل مضموناً بحثياً من جهة أخرى، خاصة وأن المشاركين هم من خريجي كلية الفنون ومن اختصاصات مختلفة، كالتصوير والعمارة الداخلية والحفر، وبالتالي سيختلف تعاطي كلّ اختصاص من هذه الاختصاصات مع هذه التجربة التي تنتمي لفن الطباعة والحفر بالكامل، وسيكون المنتج النهائي متنوعاً وغنياً بغنى هذه الكوكبة من الفنانين الشباب وهم: تولين الرضائي، دانا سلامة، شهد الرز، مجدولين العلي، محمود خليل، مهند السريع.
وقد صرّح الفنان المشرف فادي العساف بأن هذه الورشة ستولي الأختام الحموية الأولوية، لأن المصادر الأولية حصل عليها العساف من الحرفي الوحيد في هذه المدينة والذي ورث هذه المهنة عن أجداده وما زال يحتفظ بأختام تجاوز عمرها الـ 200 عام. كما حصل العساف على نماذج طباعية من جميع ما يقتنيه هذا الحرفي، ووثّق كلّ المطبوعات والنقوش التي يستخدمها ويحتفظ بها، وبالتالي كان مشروع ورشة “وصل” من خلال إعادة هذه الرسومات إلى قوالب طباعية وأختام يمكن استخدامها بالطريقة التي تتناسب مع فكرة الورشة، وهي توظيف الختم في اللوحة.
الورشةُ لا تزال قائمة حالياً، وحين تنتهي أعمالها سيُقام معرض لمنتجها الذي بدأت علاماته المبشّرة بنتائج قيّمة وجديدة على المستوى التشكيلي الإحيائي. وفي هذا المقام نستذكر الفنان الراحل مصطفى فتحي الذي قدّم للتشكيل السوري المعاصر تجربة فريدة من خلال نبشه للرموز والنقوش الشعبية السورية والاستفادة منها في إنتاج لوحة معاصرة، وقد احتفى متحف فنون الطباعة في فرنسا بهذه التجربة ووثّقها مثالاً عن فن الطباعة اليدوية على القماش.