الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

تصويب

عبد الكريم النّاعم

قال له صديقه: “لا أكتمك، أنّ ثمّة مَن يتابع ما تكتب، وأنا واحد منهم، يقولون إنّك تركّز على مسائل مركزيّة كبرى، ويعتبرون ذلك تهرّباً من مواجهة الفساد والإفساد الداخلي”.

ابتسم بمرارة وقال: يا صاحبي أنا لا أتهرّب، وقد تحدّثتُ عن ذلك مراراً، كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ما تكاد تترك ستراً مغطّى، وأنا لا أنتقدهم على ما يقومون به، فهم محقّون في شكاويهم، ولا بدّ للمريض من أن يتوجّع، فمن يلومه في ذلك، ولاسيّما أنّ الآلام استفحلت، واسمح لي أن أتوقّف عند ما يلي:

– أنا لا أقصد إلى صرْف الأنظار عن الفساد والإفساد والفاسدين، ولا أقلّل من قيمة خطورة ذلك، وبالتأكيد لو استطعنا تدمير تلك المواقع لكانت حالنا، على ما هي فيه، أفضل بكثير.

-الكاتبُ لا يمكن أن يتحرّك في أفق واحد، وإلا لَبدا الأفق مسدوداً، والكاتب الأصيل، في تنوّع كتاباته، لا يخرج عن حدود ما هو واقع، بيد أنّ بعضه واقع راهن، وبعضه طارئ، وهو يختار بحسب حساسيته، وتقديره للأمور، وما دام يشير إلى مواقع الخلل الكبرى أو الصغرى، فهو ملتزم بالسمت الوطني القومي.

– حين تكون حرارة المريض مرتفعة، قد تختلف التقديرات، فثمّة مَن يظنّ أنّ العلاج يكمن في تخفيض الحرارة، والحرارة بحدّ ذاتها إنذار من أنّ ثمّة ما يهاجم الجسم، ولا شكّ أن تخفيضها أمر مطلوب، ولكنّه ليس العلاج الجذريّ، بل قد يكون مقدّمة، أمّا الذي يتوقّف عند ظاهرة ارتفاع الحرارة فقط فإنّه، بشكل مقصود أو غير مقصود، يبتعد عن معرفة السبب الذي أدّى إلى ارتفاع الحرارة، أمّا أنا، ومَن ألتقي معهم في هذا النّهج، فنركّز على تشخيص الداء.

أنا أعرف أنّ الجراثيم التي تفتك بالجسم يكون فتْكُها أشدّ حين تضعف مقاومة الجسم المناعيّة، وأنّها ترتدّ مندحرة عن الأجسام المحصّنَة مناعيّاً، ولذا يتمّ التركيز على السبب المؤدّي لِإمراض الجسد.

ولعلّك تقول في نفسك إنّ مَن يكبّر الحَجَر لا يضرب، وأنّ التفصيلات اليوميّة لمعاناة النّاس قد لا تحتمل، وقد يبدو المثل قريباً من الإقناع، بيد أنّه إقناع هشّ، والطبيب الذي لا يعمد إلى السبب المُمْرِض سيظلّ يواجه الأعراض.

لعلّك تقول لنتصوّر أنّ إسرائيل غير موجودة، فهل تنتهي الأمراض بذلك؟ وأنا أقول لك ستبقى المجتمعات تُواجه مشكلاتها، ولو أنّ إسرائيل لم توجد فلسوف نواجه بعض الأمراض البسيطة التي لا تحتاج إلى ما نحتاج إليه الآن.

سأتوقّف عند آخر الحرائق التي ما زلنا نواجه آثارها، وأقصد عشريّة النار. إنّ مَن يدقّق النظر، ويمعن الفكر يجد أنّ الذين أوقدوا تلك الحرب، وموّلوها، ودعموها بكل ما يقدرون عليه، كان هدفهم خدمة إسرائيل، وبعض أدلّته أنّ ذلك الحراك المذهبي العاصف لم يقترب من الدول التي قبِلتْ أن تكون منفّذة لإرادة القوى الغربيّة الدّاعمة لإسرائيل، ولا تنسَ أنّ تلك المجموعات الظلاميّة الإخوانيّة قد تلقّت الكثير من الدعم والمساندة والحماية من تل أبيب.

إنّ بعض ما تكشّف عن أهداف تلك العشريّة، وما سيتكشّف لاحقاً سيؤكّد ذلك، ولهذا تراني أركّز على الصهيونيّة، وأقول “الصهيونيّة” لأنّ إسرائيل هي رأس جبل الجليد العائم للصهيونيّة الممثَّلَة في كلّ مواقع القرار الغربي الذي تسيّره منظّمات تبدو خفيّة، بيد أنّ آثارها تدلّ عليها.

إنّ ما سبق يا صديقي لا يُلغي أبداً ضرورة تحصين الجسم العربي، وطنيّاً، وقوميّاً ضد تلك الفيروسات الفتّاكة، بل هو شرط في المواجهة، للخروج ممّا وصلنا إليه.

aaalnaem@gmail.com