توظيف التراث في الفنون لمواجهة الغزو الثقافي وحمايته
ملده شويكاني
“مازال بعض الأشخاص، منهم إعلاميون لا يميّزون بين التراث المادي واللامادي، ولا تكفي الندوات والكتب لمواجهة الغزو الثقافي الذي يتطلّب جهوداً جماعية”، هذا ما قاله الإعلامي محمد خالد الخضر في جلسة مواجهة الغزو الثقافي بعنوان “دور التراث في مواجهة الغزو الثقافي” في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة).
التقوية الذاتية
وقد توقفت الجلسة التي حظيت بمداخلات غنية من قبل الحاضرين عند مسألتين مهمتين: شعر الزجل والثقافة الوطنية.
الطبيب والباحث بالتراث أسامة المرعي بدأ التعريف بالتراث اللامادي الفكري والمعنوي والثقافي الذي خلّفه لنا الأسلاف، ويشمل القيم والمبادئ والأخلاق والبنية الاجتماعية والفنون والعلوم، وبمقابلة توقف عند مصطلح الغزو الثقافي الذي يعني تغليب الثقافة الأجنبية على ثقافة شعبنا، وخلق هوة بين ماضي هذا الشعب وحاضره وبين تراثه الثقافي ما يؤدي إلى طمس معالم الحضارة الوطنية، وتابع بأننا بحاجة إلى تعزيز دور تراثنا لمواجهة الغزو الثقافي من خلال التقوية الذاتية بالوعي والتمسّك بهويتنا الثقافية.
وفي الوقت ذاته الاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى لنستفيد بما يخدم مجتمعنا، وبالمقابل العمل على تصدير تراثنا، مشيراً إلى منظمة اليونسكو التي سجّلت الموشحات والتراث الحلبي ضمن قائمة التراث العالمي.
تخصص التراث بالفنون
وتحدث عمار نعمة رئيس المكتب الإعلامي في وزارة التعليم العالي عن أهمية تقديم التراث بشكله الصحيح، وأثنى على المحاولات التي قامت بها وزارة الثقافة لصون التراث من خلال الندوات والورشات والكتب، كما أشار إلى دور الشابكة بإنشاء مواقع خاصة لنشر تراثنا وحمايته.
الفكرة المهمّة التي تطرق إليها نعمة هي عمل سورية على إدخال التراث في الأدب وكل الفنون، مستعرضاً بعض الأعمال، مثل توظيف التراث بالشعر، وبالفن التشكيلي مثل الفنان ناجي عبيد، والزير سالم بالدراما، ومن جانب آخر اهتمّ باحثون بالتراث وتوثيقه بالكتب مثل نزار الأسود.
بين الجذور والحداثة
أما محمد أبو جبارة مدير مؤسّسة القدس للثقافة والتراث فيرى أننا إزاء علاقة جدلية بين العودة إلى الجذور وبين السعي إلى الحداثة. ثم تابع عن مواجهة الغزو الثقافي بمواجهة الثقافات التي تغزونا فقط، والاستفادة من ثقافة الآخرين مثل طه حسين وغيره من الذين لم يخضعوا لعملية التغريب، ليخلص إلى أننا نستطيع المواجهة من خلال التراث بأن نصل إلى تراثنا العربي ونتمسّك به وندافع عنه، وفي الوقت ذاته نعمل على التعاطي مع الحضارات الأخرى وليس التقليد.
التراث بالسينما والإعلام
القسم الأكبر من الجلسة خُصّص لمداخلات الحاضرين المتابعين لسلسلة الغزو الثقافي، فأغنوا الجلسة بآرائهم الهادفة، إذ نوّه الأديب الشاب سامر منصور بأهمية مشاركة السينما والإعلام بالمواجهة وحماية تراثنا، في حين رأى الصحفي غسان شما أن الغزو الثقافي يبدأ من الضعف الذي يتسلل إلى ثقافتنا، فلا بدّ من أهمية الإنتاج الثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي لإغناء ثقافتنا.
الزجل والثقافة العامة
شعر الزجل شغل حيّزاً من حوارات الجلسة، إذ رأى بعضهم أنه جزء من التراث اللامادي، يوثق بيئات سورية ولهجاتها المتعددة، لكنه يتعرّض للمحاربة من قبل الأوساط الثقافية بذريعة أنه يعزز العامية، رغم أنه موزون على بحر وقافية.
وعقب الكاتب ديب علي حسن بأن معظم مفردات التراث اللامادي والميجنا مكتوبة بالعامية، ورغم إصراره على رفض العامية واللهجات إلا أن شعر الزجل يغني الثقافة العامة، وهو شكل تقليدي من أشكال الأدب.
الثقافة الوطنية
وتعمق الأديب بكور عاروب بجزئيات الثقافة الوطنية المتنوعة الغنية بالتراث اللامادي للأقليات مثل التراث الأرمني والآشوري والكردي والسرياني، والتي تشكل جزءاً من نسيج المجتمع السوري، ويجب الارتقاء بها.
دور الأم في التراث
الصحفية فاتن دعبول رأت أن الحفاظ على التراث مسؤولية تبدأ في المنزل من الأم التي تغني لطفلها لينام إلى كلّ أطياف المجتمع، وتوقفت عند ضرورة الاهتمام بالتراث في المناهج التعليمية.
سرقة التراث الفلسطيني
كما تطرقت المداخلات إلى محاولات الكيان الصهيوني الفاضحة سرقة التراث الفلسطيني، ولاسيما الكوفية والحطة وغيرهما، فلا بد من مواجهة الغزو الثقافي بشكل علمي مدروس.
تسويق الثقافة
واختُتمت الجلسة بمداخلة السيدة رباب أحمد التي كانت أشبه بخلاصة للأفكار المطروحة، مؤكدة أن استمرار هذه السلسلة هو مقاومة ومواجهة للغزو الثقافي، مركزة على تسويق الثقافة من خلال المهرجانات مثل مهرجان القطن على سبيل الذكر والذي يعدّ جزءاً من التراث الشعبي.