الخلافات الأمريكية.. “الأسوأ لم يأتِ بعد”
تقرير إخباري:
جاءت تعليقات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الساخرة من مكان جلوس الرئيس الأمريكي جو بايدن وزوجته “جيل” في الصف الرابع عشر داخل كنيسة “ويستمنستر آبي” في لندن، خلال مشاركة الأخير في جنازة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في لندن، لتعكس الانقسام الحقيقي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على أعتاب انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والكونغرس، التي من المتوقع أن يكتسح فيها الجمهوريون منافسيهم الديمقراطيين بسبب غضب الجمهور الأمريكي من أداء الإدارة الديمقراطية الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم وأزمة الطاقة وغيرها من الأزمات الاجتماعية التي أدّت إلى تراجع شعبية بايدن إلى مستويات لم يسبق أن وصل إليها رئيس أمريكي من قبل.
وبالعودة إلى تصريحات وسخرية ترامب من بايدن واعتباره أن مكان جلوسه بمنزلة “عدم تقدير لأميركا”، مضيفاً: “هذا ما حدث لأميركا في غضون فترة قصيرة من عامين فقط (مدة حكم بايدن)، حيث لا احترام”، ثم تابع في تصريح يعكس الفوقية والعُنجهية الأمريكية: “ومع ذلك، فالوقت سانح ليتعرّف رئيسنا على قادة العالم الثالث”، واستطرد: “لو كنت رئيساً، لما أجلسوني هناك، ولكان بلدنا مختلفاً اختلافاً كبيراً عمّا هو عليه في وقتنا الحالي”، نجد أنها لم تكن لتأخذ أي صدى يُذكر لو جاءت في ظروف عادية، ولكنها تأتي في ظل انقسام عمودي يضرب الجمهور الأمريكي وصعود حركات متطرّفة وانقسام اجتماعي وعرقي، وفي ظل تحذيره من “مشكلة كبيرة”، إذا تمّ اتهامه بقضية الوثائق السرية “على خلفية مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله في فلوريدا”، وما أعقبه من تقديم المئات من الموظفين الأميركيين المعنيين بالانتخابات المقبلة استقالاتهم، والتي تمّ تفسيرها على نطاق واسع على أنها “تهديدات جدية”.
في المقابل، لم تكن التصريحات من الطرف الآخر أقل عدوانية حيث شنّ بايدن هجوماَ شرساً على ترامب وأنصاره، واصفاً إيّاهم بأنهم “تهديد للديمقراطية ولأسس جمهوريتنا”.
التصريحات والتصريحات المضادة تعدّ رأس جبل الجليد بالنسبة إلى الخلاف السياسي الحاد الذي يعصف بأمريكا، ففي حديثين منفصلين لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، اتفق كاتبان أميركيان مرموقان ألّف كل منهما كتاباً حول التطرّف المحلي في الولايات المتحدة واحتمال غرق البلاد في حرب أهلية، على أن “الأسوأ لم يأتِ بعد”.
وتناول الكاتب لوك موجلسون، في مؤلفه “العاصفة هنا” كيفية صعود الحركة التي لعبت دوراً رئيسياً، في الهجوم على مبنى الكابيتول في الـ6 من كانون الثاني من عام 2021، معتبراً أنّ الولايات المتحدة شهدت “انتفاضة عنيفة” ضد السلطة المركزية في أحداث الكابيتول.
أمّا أندي كامبل، فوضع كتاباً عن جماعة “برواد بويز” المؤيّدة لترامب نتيجة سنوات من البحث عنها في التجمّعات واجتماعات مجلس إدارة المدرسة، والبحث في معارك الشوارع في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا الصدد، قال كامبل: إنّ “الاحتجاجات المقبلة لن تكون مجرّد مسيرات، ولن تكون مجرّد عنف سياسي”.
وأشار كامبل، إلى أنّ العديد من أعضاء الكونغرس يشتكون من عجزهم عن ملاحقة المتطرّفين الأميركيين، بسبب اندماجهم في المجتمعات المحلية، وغياب التشريعات التي تمنع الانضمام إلى جماعات متطرّفة، وقيام الحزب الجمهوري بتغطية هذه الحركات.
جاء حديث الكاتبين بالتزامن مع تقرير جديد عن التطرّف في فلوريدا خلُص إلى أنّ الولاية أصبحت موطناً “لشبكة واسعة ومترابطة من العنصريين البيض والمتطرّفين اليمينيين”.
التحذيرات من خطر التطرّف واحتمال وقوع حرب أهلية في أمريكا ليست بالأمر الجديد، فقد كان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كريس راي، خلال شهادته أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ في آذار الماضي، قال: إن مشكلة الإرهاب الداخلي في بلاده تصاعدت بشكل جدي في السنوات الأخيرة، إذ لا يعدُّ اقتحام الكابيتول “حدثاً منفصلاً”، بينما تنتشر مشكلة الإرهاب الداخلي مثل “ورم خبيث، وهيهات أن تختفي في المستقبل القريب، الأمر الذي يمثل قلقاً رئيسياً”.
إذاً، بعد عقود من نشر قادة أمريكا التطرّف والانقسامات الطائفية والعرقية التي أدّت إلى حروب أهلية خلّفت الملايين من القتلى والجرحى واللاجئين حول العالم، تتحوّل أمريكا شيئاً فشيئاً، وللمفارقة بفعل قادتها أيضاً، إلى دولة فاشلة ومعرّضة لقلاقل وحرب أهلية، قد تطيح بوحدتها الفيدرالية وحتى بزعامتها العالمية، وهو ما سيغيّر وجه العالم إلى الأبد.
إبراهيم مرهج