المجالس المحلية الجديدة على محك التقييم الشامل ومعرفة خارطة الموارد وتعزيز التشاركية
البعث – مادلين جليس
سرعان ما يتضح للمطلع على قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، ما عززه هذا القانون من دور تنموي للمجتمع المحلي، وتمكين مجالس الإدارة من إدارة ما أؤتمنت عليه من موارد لجهة استثمارها ضمن المسارات الخدمية والتنموية، ولعل أبرز ما نصت عليه بعض المواد في هذا الخصوص يتثمل بـ”تعزيز الإيرادات المالية للوحدات الإدارية لتمكينها من ممارسة دورها التنموي والخدمي وجعل هذا المجتمع مسؤولاً عن الحفاظ على موارده وتنمية هذه الموارد لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتقديم خدمات أفضل وتطوير فرص اقتصادية وتنموية ضمن الوحدات الإدارية تساعد في إيجاد فرص عمل وإيجاد حالة من التكامل بين الدور الخدمي والدور التنموي المستدام” وكذلك “إيجاد وحدات إدارية قادرة على عمليات التخطيط والتنفيذ للتنمية المستدامة للمجتمع المحلي وبكفاءة عالية وفاعلية شعبية وتدريب الكوادر المحلية”.
وضوح
إذاً القانون رسم بكل وضوح الدور المنوط للمجالس لاستنهاض إمكانياتها والاشتغال على ما تتمتع به وحداتها الإدارية من موارد، وبالتالي ونحن على أبواب مجالس محلية جديدة ما الذي يمنع المجالس من تنمية المناطق المسؤولة عنها خدمياً واقتصادياً، وما الذي كان يعيق المجالس السابقة من ذلك؟
يرى محمود معماري مدير المجالس المحلية في حمص أن كل المجالس المحلية قدمت خدمات، ولكن بمستويات متفاوتةً، فبعض المجالس –ولاسيما التي تعرضت للدمار-اشتغلت على إعادة المهجرين منها إلى مناطقهم من خلال تأمين البنى التحتية لذلك، في حين أن نظيراتها الآمنة اشتغلت على إحداث العديد من المشاريع الخدمية والاستثمارية، معتبراً عمل المجالس كان يتماشى مع كل الظروف الحالية الصعبة التي يعيشها بلدنا ولاسيما المتعلقة بالحصار الاقتصادي وانعكاسات ذلك على فقدان الكثير من المقومات والموارد، ما شكل بالنهاية عائقاً أساسياً أمام تحقيق كافة متطلبات المجتمع المحلي، مؤكداً أن الفترة القادمة ستشهد تعاوناً بناءً مع المجالس المحلية الجديدة، للعمل على تلبية كافة متطلبات المواطنين وتأمين الخدمات لهم، وتأهيل البنى التحتية.
إغفال التنموي
“وفق الإمكانات المتاحة”، هكذا عبر العديد من أعضاء المجالس المحلية “السابقة” في وصفهم لواقع عملهم، لكن دون التطرق إلى الجانب التنموي الملقى على عاتقهم والمنصوص عنه في قانون الإدارة المحلية، وإذا أردنا استبشار الخير، وانتظارها أن تقوم بهذا الدور التنموي، فعلى مجالس الإدارة المحلية المنتخبة أن تقوم بخطوة أساسية لابد منها وهي تقييم المجتمع المحلي، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أيهم أسد، والذي أشار إلى أن هذا التقييم لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل هو تقييم شامل للإمكانات المحلية المتاحة الاقتصادية والمالية، والموارد البشرية والموارد التراثية والتاريخية، إضافة إلى المؤسسات العامة والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية التي لديها قدرة على العمل في الوحدات المحليات، بحيث تمتلك هذه المجالس خارطة موارد عملية في الوحدات المحليات، مهما كان حجم هذه الوحدة سواء كانت قرية أو بلدة أو مدينة أو محافظة، وهذا يتطلب -برأي أسد- توافر مجموعة عوامل أولها تنوع الاختصاصات في المجالس المحلية، وأن تتسم بالرغبة والقدرة على العمل الجاد، وأن تكون قادرة على بناء شراكات مع المجتمع المحلي بشكل واسع، فعملية تقييم المجتمع المحلي كبيرة، ولا قدرة للمجالس المحلية على القيام بها لوحدها، فيجب أن تتم بالتشاركية مع المجتمع المحلي نفسه كما يرى الخبير، سواء أكان أفراداً أو منظمات أو هيئات أو حتى قطاع خاص، أو حتى مع التكوينات المجتمعية التي نص عليها القانون رقم 107، وذلك بهدف جمع المعلومات، حيث تقول القاعدة المهمة في التخطيط: “لا تخطيط بلا معلومات”، وهنا يشير أسد إلى أن معرفة خارطة الموارد الأساسية الموجودة في المجتمع المحلي كفيل بوضع خطة تنموية لهذا المجتمع المحلي انطلاقاً من نقطتين، الأولى: خارطة الموارد، والثانية: الأهداف.
ولتقوم المجالس المحلية بالدور التنموي الفعلي بجب أن تذهب باتجاه تخطيط تنموي تشاركي، وهنا لابد من مشاركة المجتمع المحلي بكافة عناصره، وأن تمتلك هذه المجالس لغة تشاركية وخطاب تشاركي وأدوات تشاركية، ومساحات عمل مع المجتمع كأفراد وكمنظمات، وأن تمتلك أيضاً آليات حوار ونقاش مستمر، إضافة إلى قدرتها على سماع احتياجات المجتمع المحلي، وقدرتها أيضاً على التشبيك مع المجتمع المحلي بكل أبعاده، يضاف إلى ذلك يجب أن يكون لدى المجالس المجلية لوجستيات داعمة وسائل نقل وكومبيوترات وأدوات داعمة لعملية المسح، وأموال لإنجاز استمارات وتكوين فرق مسحية بسيطة.
ويشير الدكتور أسد إلى أن ما يقع على عاتق أعضاء المجالس المحلية الجديدة هو أن يكون لديهم اتجاه حقيقي للتنمية المحلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عمل المجلس المحلي لا يقتصر على حل مشكلات الخدمات فحسب، بل عليه الالتفات إلى المشاريع التنموية محلية بغض النظر عن مخرجات هذه المشاريع إن كانت اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو تربوية أو رياضية أو حتى ترفيهية، وذلك حتى لا يكون تكريساً حقيقياً للدور التقليدي للمجالس المحلية دون الاستفادة من كل الميزات التي قدمها قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011.
بعدان لابد منهما
إن كل ما أثير حول أهمية القانون 107 لعام 2011 في تطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات لتمكين مجالس الوحدات الإدارية من تأدية مهامها في تطوير الوحدات الإدارية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً، مرهون بضمان تحقق البعدين الآخرين للامركزية وهما اللامركزية المالية والسياسية، بحسب ما ترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب، فالقانون اقتصر على اللامركزية الإدارية ضمن حدود، حيث يؤثر التفاعل بين الأنواع الثلاث لللامركزية على عوائد جهود الإنفاق والإيرادات ما دون الوطنية، فضلاً عن أن الخطة الوطنية للامركزية لم تصدر بعد، والتي يتم بموجبها نقل الاختصاصات من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية.
وتؤكد سيروب أن قدرة كل وحدة إدارية على تحقيق الأهداف المنصوص عليها بالقانون مقيّد بتحقق الشرطين اللازمين وهما الاستقلالية المالية للوحدات الإدارية ومدى توافر الموارد المالية الكافية لتنفيذ الخطة التنموية التأشيرية والخطط الاقتصادية والاجتماعية والخدمية التي يتم إقرارها من قبل المجالس.
كما أن الاستقلالية المالية من وجهة نظرها مرتبطة بمجموعة من القوانين والتشريعات التي تحكم عمل الوحدات الإدارية، بالإضافة إلى قانون الإدارة المحلية، هناك القانون المالي الأساسي والقانون المالي للوحدات الإدارية والقانون الخاص بموازنات المحافظات السنوية وغيرها من القوانين الأخرى ذات الصلة بالمؤسسات المركزية، جميعها تحكم قدرة الوحدات الإدارية في تعزيز إيراداتها المالية التي تمكنها من تنفيذ مشاريعها وتقديم خدماتها لمواطنيها بالشكل الأمثل.
وتطرح الخبيرة الاقتصادية مثالاً المادة (150) من قانون الإدارة المحلية رقم 107، التي تنص على أن “للوزير تعديل أوجه إنفاق الموازنة المستقلة الواردة بالقانون رقم (35) لعام 2007 بإضافة باب أو بند جديد إلى أوجه إنفاق هذه الموازنة وفق ما تقتضيه المصلحة العامة”.
وتضيف سيروب: رغم أن القانون الخاص بموازنة المحافظات السورية (القانون 35 لعام 2007) أعطى صلاحية إقرار الموازنة وإجراء التعديلات والمناقلات من قبل مجلس المحافظة، غير أن المصادقة تتم بقرار من وزير الإدارة المحلية.
أما القانون المالي للوحدات الإدارية 37 للعام 2021 فقد حدد رسوم الوحدات الإدارية على النحو الوارد في الفصل الثالث منه، وبهذا ألغى استقلالية الوحدات الإدارية في تحديد الرسوم الخاصة بها والتي تتوافق مع أهدافها التنموية.
كما أن المادة 134 من قانون الإدارة المحلية، بحسب سيروب تبين أن معظم وسائل تمويل المجالس المحلية مرهونة بمراعاة القوانين والأنظمة النافذة والتي ما زالت -نقصد بالأخيرة- تعمل وفق لا مركزية مطلقة في إدارة الموارد المالية من حيث مصادر التمويل أو أوجه إنفاقها.
وهناك أيضاً العديد من المواد التي تعطي صلاحية المصادقات على الخطط والإنفاق والموارد إلى السلطات المركزية التي يمثلها تارة وزير الإدارة المحلية وتارة للمجلس الأعلى للإدارة المحلية الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء. فضلاً عن إمكانية وزارة المالية القيام بالتعديلات على بعض بنود موازنات الوحدات الإدارية من نفقات وإيرادات.
وتختم سيروب: أمام الظروف الراهنة وما يعاني منه الاقتصاد السوري من شح في الموارد سواء على المستوى الكلي أو على مستوى المحليات، وصعوبة الحصول على تمويل وقروض خارجية بسبب العقوبات، وأمام صعوبة في تنفيذ المشروعات الضرورية للنهوض الاقتصادي، فإن أمام الإدارات المحلية صعوبة بالغة في تحقيق الأهداف المنصوص عنها في قانون الإدارة المحلية.