أيام تشكيلية.. سبعون عاماً من الحداثة!
أكسم طلاع
دعت وزارة الثقافة المصمّمين والفنانين والمصوّرين الفوتوغرافيين السوريين للمشاركة بأعمالهم في مسابقة تصميم الملصق، لتسليط الضوء على أساليب الفن الحديث في الذائقة البصرية السورية من خلال أعمالهم التي ستقدّم إلى المسابقة التي أعلنت عنها الوزارة ضمن فعاليات أيام تشكيلية لموسمها الخامس بعنوان “سبعون عاماً من الحداثة”، وهو عمر اللوحة “كفر جنة” التي رسمها الراحل فاتح المدرس بأساليب وتقنيات المدرسة الواقعية التأثيرية ومزجها بجمالية توافقية خاصة مع مفاهيم المدرسة التجريدية الحديثة التي سادت وانتشرت في الفن العالمي الحديث بدايات الخمسينيات من القرن العشرين، واعتبرها عدد من مؤرّخي الفن بداية الحداثة في الفن التشكيلي السوري، واللوحة الآن من مقتنيات المتحف الوطني بدمشق.
وتهدفُ المسابقة أيضاً إلى تقديم مشاركات فنية بهذه المناسبة التي تنطلق منها حركة الفن السوري الحديث، هي تحية لتاريخ الفنان فاتح المدرس في الذكرى المئوية لميلاده، وهو الفنان العريق الذي أنتج الجمال من خلال رحلة إبداعية وفنية غنية ومميزة. وبهذا التميّز الجميل بدأت الحركة التشكيلية السورية مرحلة مختلفة من مراحلها الجديدة في الحداثة الفنية، وصولاً إلى حركة الأجيال الجديدة وطريقة تحقق خلاصة التجربة الفنية السورية في وعيها الفني.
كما دعت الوزارة الفنانين الشباب الذين لم يتجاوزوا الأربعين إلى المشاركة في مسابقة البورتريه، مستلهمين من شخصية الراحل فاتح المدرس أعمالهم في التصوير والنحت، وحدّدت الوزارة مكافآت مجزية للفائزين.
من جهة أخرى، مدّدت مديرية الفنون الجميلة الفترة المحدّدة لقبول الأعمال التي ستشارك في معرض الخريف السنوي لغاية الأحد 2/ 10، وفتحت المجال أمام الشباب للمشاركة في معرض الخريف السنوي الذي كان يقتصر على الفنانين الذين تجاوزوا الأربعين من العمر.
ربما تُحسب هذه الترتيبات لمصلحة تحقيق مستوى طيب لأيام تشكيلية كظاهرة احتفالية بالفن التشكيلي، تستوجب النهوض بواقع الفن التشكيلي ومراجعة حصيلته خلال عام، وتقديم التشجيع والدعم وتعزيز حضور الفن التشكيلي في الحياة الثقافية، وتمتين الجانب المعنوي للفنان التشكيلي ومنح فرص التعرف على الموهوبين الجدد من خلال المعرض الرئيسي والمعارض المرافقة، وتقديم الحدّ الأدنى من الدعم المالي الممكن من خلال سياسة الدعم والاقتناء التي انتهت في الدورات الأخيرة لأسباب غير مبررة، كما أضاف غياب دور اتحاد الفنانين التشكيليين إلى الأمر فداحة، فهو العاجز حالياً عن تقديم أي دعم للفنان، بل تحوّل إلى مؤسّسة لا حول لها ولا قوة إلا الجباية من الفنانين.
والمحزنُ أن البعض من الفنانين المثابرين على المشاركة في المعرض السنوي ربما يرى الأمر مختلفاً، وقد أضحى أكثر خسارة بالنسبة للوضع المادي الذي يفرض ثقله على الجميع، فكتب الفنان جمال العباس “80 عاماً” عبر صفحته معتذراً عن المشاركة:
“منذ سبعينات القرن الماضي وحتى 2021 كنت مشاركاً دائماً بهذا المعرض السنوي لفناني القطر الذي تقيمه مديرية الفنون الجميلة وترعاه وزارة الثقافة، كان بحق معرض المعارض لأهميته الفنية كحصاد تشكيلي سنوي وتواصل اجتماعي وحضاري بين الفنانين والجمهور والفنانين المشاركين وتجارب بعضهم البعض، والحصول على كتلوج ملون وجميل كوثيقة وذكرى يعتز بها الفنان المشارك والزائر، ناهيك عن التوصيل المجاني للأعمال عن طريق فروع نقابة الفنون أو المراكز الثقافية لمديرية الفنون الجميلة بدمشق، وبحبوحة الاقتناء من قبل وزارة الثقافة راعية المعرض، والمكانة القيمة والرفيعة والعادلة للقائمين على هذا. لا شكّ أن ظروف البلد الصعبة فرضت ظلالها وانعكست سلباً على العديد من الجماليات التي كانت سائدة، فخفّ الحماس وانتفت المغريات مثل الدليل -البروشور- والاقتناء والتوصيل المجاني للأعمال، فصارت المشاركة مكلفة ومرهقة، سفراً وتوصيلاً وإقامة وعودة، وخاصة بالنسبة لفناني المحافظات، مما يجعلني عازفاً عن المشاركة ومعتذراً، مع التوفيق للجميع..”.
هذه بعض من هموم ومعاناة الفن وأهل الفن التشكيلي. والسؤال: كيف سنحتفي بالحداثة التي أسّس لها فاتح المدرس بأدوات قديمة، ما يقتضي إعادة النظر في هذه العناوين وبمفاصل القائمين على إدارتها، لعلّ وعسى، كي لا ينطبق علينا المثل البدوي: “معرس ومفلس”!!