60% من الكتب المدرسية معاد تدويرها.. ثقافة الحفاظ على الكتاب غائبة لدى الطالب والمدرسة
دمشق – رغد خضور
مع كل عام دراسي تعود ذكريات الدراسة بحلوها ومرها وشقاوتها وجدّها، لكنها هذا العام عادت بشكل مختلف، فالصورة التي تبادرت إلى مخيلتي هذه المرة كانت لكتاب اللغة العربية للصف السابع بالتحديد، ذاك الكتاب الذي استلمته بعد أشهر من الانتظار كوني طالبة انتقلت حديثاً إلى مدرسة جديدة، كان يشبه كل شيء إلا الكتاب، فقد كان ممزقاً مهترئاً غير واضح المعالم، الخربشات تملأ صفحاته المنقوصة جزئياً أو كلياً، طبعاً لم تكن كل الكتب التي استلمتها كذلك، لكنه كأن أسوأ كتاب حصلت عليه خلال مراحل دراستي .
ما أعاد تلك الذكريات هي الصور التي انتشرت مع بداية العام الدراسي الحالي للكتب المدرسية التي استلمها بعض الطلاب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي إذا ما قارنتها بكتابي آنذاك، فهي أفضل منه بكثير، لكنها ليست كذلك مقارنة بكتب هذا العام، إذ “لا تصلح للاستخدام” بحسب مرتادي تلك المواقع، الذين عبروا عن انزعاجهم لاستلام أطفالهم لكتب غير جديدة، وللمفارقة فإن تلك الكتب سيغرم الطالب بها نهاية العام عند إعادة تسليمها، على الرغم من أنه ليس السبب فيما حصل لها.
إعادة تدوير
لا نقول إن كل الكتب المدرسية كذلك، ولكن نسبة لا بأس بها منها هي من ذاك النوع المعاد توزيعه أكثر من مرة، لدرجة تجد بطاقة اسم لعدد من التلاميذ على الكتاب ذاته، وهذا يضعنا أمام تساؤل مهم، هل هناك نقص بأعداد الكتب المدرسية لدرجة لا تقدر المدرسة على تبديل التالف منها بأخرى جديدة؟ أم أن أمناء المكتبات يتراخون في جرد الكتب وفرز الجيد من السيئ منها للاستعاضة عنها؟.
وفي محاولة البحث عن إجابات لاستفساراتنا، توجهنا بكتاب لوزارة التربية التي حولتنا إلى مدير عام المؤسسة العامة للمطبوعات، علي عبود، الذي لم يستجب وفضل التصريح لوسيلة أخرى، وبحسب ما ذكر “تجري عملية تدوير الكتب المدرسية الموزعة، وهي جديدة العام الماضي، لعام واحد إضافي بشرط أن يكون الكتاب صالح للاستخدام، ويكون ذلك بالتنسيق مع لجنة الكتاب المدرسي والمستودع الفرعي وفقاً لتعليمات إعادة التوزيع الصادرة عن الوزارة”.
ولفت عبود في تصريحاته إلى أن 40% من الكتب لم تخضع لإعادة التوزيع كونها كتب تفاعلية وأنشطة، يكتب عليها الطالب، في حين تم إعادة تدوير 60% من الكتب لعام ثانٍ بين قديم وجديد، وهذه النسب، وفقاً لمدير المؤسسة، “تحددها لجنة الكتاب المدرسي من واقع السجلات والكشوف المنظمة بعد إطلاعها على الكتب المسلمة والحاجة المتبقية”، إذا كيف سُلمت تلك الكتب الممزقة للطلاب، أو الأحرى هل مرت تلك الكتب على اللجنة وعاينت وضعها قبل إعادة تسليمها؟.
تدوير الكتاب المدرسي ليس بالحدث الجديد فهذه القوانين موجودة على أيام أبائنا وأمهاتنا، ولكن المشكلة، من وجهة نظر الدكتورة رشا شعبان ” مدرسة في جامعة دمشق وناشطة في القضايا التربوية والاجتماعية” تتعلق بشروط استلام الكتاب من الطالب، بمعنى كم استطاعت المدرسة تعليم طلابها حب الكتاب وأهمية والحفاظ عليه، منوهة بأن على معلم الصف ألا يستلم أي كتاب من الطالب إلا بشروط معينة، واضعة اللوم على الطالب والمعلم والمدرسة، فحتى الآن لم تستطع مدارسنا أن تشكل من الكتاب حالة استثنائية وتخلق علاقة عاطفية بينه وبين الطالب.
ارتفاع أسعار
الأمر الذي زاد من سخط الأهالي هذا العام هو ارتفاع أسعار الكتب المدرسية، في حال اعترضوا على الكتب المسلّمة وأرادوا شراء أخرى جديدة لأبنائهم بدلا عن التالفة منها، ووفقاً للأسعار الجديدة فإن عليهم دفع مبالغ ليست بقليلة، فعلى سبيل المثال وصل سعر نسخة الكتب للصف التاسع حوالي 60 ألف ليرة، وقس على ذلك بالنسبة لبقية الصفوف، وهذا على اعتبار أن الكتاب المدرسي مدعوم ويقدم بشكل مجاني لمرحلة التعليم الأساسي، ولكن إذا كان حال نسخة الكتب التي تسلمها الطالب، سواء في الصف التاسع أو صفوف أخرى، غير صالحة للدراسة فعندها سيضطر الطالب لشراء نسخة جديدة أو على أقل تقدير أفضل حالاً ليتمكن من الدراسة منها.
المرشدة الاجتماعية سناء خضور ذكرت أن طلاب الصفوف الأكبر قد يكونون أكثر تفهماً لاستلامهم لكتب قديمة خلافاً لزملائهم، لكن طلاب الحلقة الأول، بشكل خاص، سيتأثرون بذلك، وسيتكون لديهم شعور بالإحباط وأنهم أقل مكانة من غيرهم، مما يدفعهم، في الغالب، للنفور من المدرسة وحتى من زملائهم ممن حصلوا على الكتاب الجديد، كون هذه المرحلة مهمة في تشكيل انطباعات الطفل تجاه الأشياء والأشخاص، لذا تجب مراعاة مثل هذه الأمور في صفوف المرحلة الابتدائية.
الحل موجود
حالة الكتب المهترئة لا تقتصر على صفوف محددة بل هي موجودة بكل المراحل الدراسية، إذا ما استثنينا المرحلة الثانوية كون الطالب يشتري كتبه بنفسه، ونراها بشكل خاص في كتب المواد الأساسية كاللغة العربية والرياضيات، أي الكتب التي تُستخدم كثيراً وعلى الطالب حل الأجوبة عليها، وبالتالي فإن الطالب الذي سيستلم كتاباً محلولاً لتلك المواد سيتكاسل في البحث عن الإجابات وتشغيل عقله في التفكير بالحلول، ما سينعكس على تحصيله الدراسي، بالمقابل تبقى كتب المواد الثانوية جديدة وبأفضل حالاتها كونها قليلة الاستخدام، إذا ما قلنا معدومة.
وهنا تنوه المرشدة الاجتماعية، أنه على الرغم من تأثير ذلك على الطالب دراسياً، إلا أنه بالإمكان التغلب على هذه المشكلة، دون الحاجة لشراء كتاب جديد، بظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وذلك من خلال تشجيع المدّرس لتلاميذه وتحفيزهم على الإجابة والمشاركة الفعّالة أثناء الحصص الدّرسية، للوصول إلى الفهم المطلوب والحل الأنسب، مع تطبيق اختبارات تؤكد استيعاب الطالب للمعلومات التي حصل عليها..
الكل مُلام
لسنا بصدد تحميل المدرسة المسؤولية بشكل كامل، فالطالب مُلام أيضاً على إهماله وعدم حرصه على كتبه، وهنا يكون دور الأهل في توعية أبنائهم بأهمية الكتاب وضرورة المحافظة عليه، ولكن غياب هذه الثقافة جعلت من الطلاب يستخفون بكتبهم ويعاملونها كعدوة لهم، وطبعاً لا نعمم على الجميع، فالطالب المجتهد يحافظ على كتابه ويهتم به حتى وهو مستعمل، لأن همه هو التحصيل العلمي وليس الانتقام من التعليم عبر الكتاب.
بالمحصلة الاهتمام بالكتاب المدرسي بالدرجة الأولى تقع على عاتق الطالب والأهل أولاً، والمعلم ثانياً، إذ يتوجب عليه متابعة كتب طلابه بالمواد التي يُدّرسها بشكل دوري ومستمر، وطبعاً لا يمكن إلغاء دور المدرسة في تعزيز قيمة الكتاب وأهميته، وغرز ثقافة تدوير الكتب لديهم والحفاظ عليها ليستلمها آخرون من بعدهم.
وفي هذا السياق تشير الدكتورة شعبان إلى ضرورة أن نوجه الطالب لمحي إجاباته بعد انتهاء العام الدراسي، وقبل تسليمه للمدرسة، ليكون مهيئاً للطلاب الذي سيستلمه من بعده، فليس كل الأهالي قادرين على شراء نسخ جديدة لأبنائهم.