أطفال يتحاورون بالفصحى ويتعلّمون الكتابة الأدبية في ورشات تفاعلية
نجوى صليبه
“ورشات تفاعلية” عنوان عريض لنشاطات مختلفة مخصصة للأطفال تقيمها بعض المراكز الثّقافية في دمشق، وبعضها يضمّها لنادي القراءة الموجود في برنامجه الدّائم، وتتنوع محاور هذه الورشات بين تعليم أصول الكتابة وقراءة القصص ومناقشتها والتّحدث باللغة العربية الفصيحة والتّعريف بالمجلات المخصصة للأطفال..
“مملكة الحكايات المفيدة” عنوان الورشة الأدبية التي يقيمها المركز الثّقافي العربي في المزّة لتنمية مهارات الكتابة والقراءة واللغة العربية لدى الأطفال واليافعين بإشراف الأديب أيمن الحسن الذي يقدّم في نهاية الجلسة قصصاً وكتباً كهدايا تحفيزية للمشاركين المتميّزين ضمن الورشة، واللافت في الإعلان عن هذه الورشة هو عبارة “يمنع التّحدث بالعامية”، ويعتمد الحسن على التّنويع في الورشة إذ يروي حكاية ويقصّ قصّة وينشد قصيدة ومن ثمّ يناقشها تباعاً مع الأطفال، وحول أهمية هكذا ورشات يحدّثنا الحسن: تأتي أهمية الورشة من أنّنا نتحدّث بالفصحى وهذا يعطي الأطفال فرصة التّحدّث بهذه اللغة الجميلة ويستعذبوها، ومن أنّها ورشة تفاعلية نطرح بعض الأسئلة ونترك الأطفال ليجيبوا بحرية من دون أن نقيّدهم بشيء.
وبالسّؤال عن مستوى الأطفال قراءةً وكتابةً وحضوراً، يجيب الحسن: لا أريد أن أبالغ.. أطفالنا مبدعون على مختلف أعمارهم، حتى الآن أقمت ثلاث ورشات للقصّة وهناك مواهب تضاهي تجارب كتّابنا الكبار، هي فقط بحاجة لهذه اليد التي مُدّت إلينا عندما كنّا في مثل سنّهم، ولكن ربّما فرصتهم أفضل، فالمكان متوافر نتحدّث عن مركز ثقافي مفتوح أمام الجميع، وها نحن نقيم جلسةً ممتعةً ومفيدةً وهدايا مشجّعة لمن يجيب إجابات صحيحة وفق رؤيته..
وخلال حضورنا إحدى جلسات “مملكة الحكايات المفيدة” لاحظنا سعادة الأطفال بكلّ ما قُدّم لهم وتفاعلهم اللافت بجدّيته وهزله أيضاً، كما لاحظنا وجود أطفال موهوبين لهم تجارب سابقة في كتابة القصّة والإلقاء ومع ذلك حضروا لتنمية هذه المواهب ومن أماكن بعيدة أيضاً عن المزّة، فإحدى الأمّهات تكلفت وطفلتها عناء القدوم من منطقة جديدة عرطوز على الرّغم من حرارة الطّقس وصعوبة المواصلات.
وفي المركز الثّقافي العربي بكفرسوسة، وضمن “نادي القرّاء” تقام هذه الورشات بإشراف أدباء متخصصين بأدب الطّفل، منهم أريج بوادقجي رئيس تحرير مجلة “شامة” الصّادرة عن الهيئة العامّة السّورية للكتاب والموجّهة لمرحلة الطّفولة المبكّرة، تقول بوادقجي: بالتّعاون مع مديرية ثقافة دمشق والمركز الثّقافي في كفرسوسة أعُلن عن الورشة، وكان الجمهور جميلاً جداً وملأ القاعة قبل الموعد، وهو في غالبيته من جمهور مجلة “شامة” والمركز.. هناك أطفال لم يكونوا يعرفون المجلة وأحبّوا التّعرّف عليها من خلال هذه الورشة التّفاعلية التي يرتبط نجاحها بوجود الأهل لأنّنا نتحدّث عن شريحة عمرية صغيرة، فإن لم يكن هناك وعي من الأهل بضرورة وأهمية القراءة والمطالعة بالتّأكيد لن يفكّر الطّفل بالقراءة أو الذّهاب إلى مركز ثقافي، لذلك كنت حريصة على وجود الأهل بورشة العمل نفسها وجلوسهم إلى جانبنا ومتابعتنا ومنهم أحبّ المشاركة والتّفاعل معنا أيضاً، وهذا هو المهمّ لدينا، مضيفةً: ورشات العمل هي أفضل طريقة وأقرب طريقة للوجود بين الأطفال ومعرفة اهتماماتهم ورأيهم بالمجلة وما هي أمنياتهم ورغباتهم في المستقبل، الهدف من ورشة الكتابة الإبداعية الحوار مع الطّفل وتعريفه بالمجلة وتنمية قدراته ومهاراته، وهذا أيضاً ما تهدف إليه المجلة.
وحول التّقنيات التي اشتغلت عليه بوادقجي تحدّثنا: استقبلنا الأطفال وكانوا من أعمار مختلفة فقسمناهم إلى ثلاث مجموعات، في البداية كان النّشاط مفتوحاً للجميع وكان عبارة عن نصّ شعريّ وفقرة الحكواتي، ثمّ كان النّشاط الأساس التّحفيزي على الكتابة، وأحضرت معي رسومات لبعض رسّامي المجلة الذين يرسمون للطّفل بحرفية تنافس على مستوى الوطن العربي، وطلبت من كلّ مجموعة أن تختار لوحةً لتعبّر عنها بطريقة أخرى إبداعية، ثمّ بدأ كلّ فريق بمناقشة اللوحة وانتهوا إلى عمل إبداعي شفهي مبسّط واختارت كلّ مجموعة شخصاً ليقدّم العمل الفنّي، ولابدّ من التّنويه هنا أنّه لم يكن هناك أنانية أبداً بل غلبت روح التّعاون والمحبة لإبراز عملهم، وكان هناك تنافس وفواصل بين الأطفال مع بعضهم وهذا شيء مهمّ جدّاً، مبينةً: تفاعل الأطفال كان جميلاً جدّاً وكذلك عفويتهم، وهناك أطفال قبل مجيئهم قالوا لأمّهاتهم إنّهم لا يريدون أن يحضروا درساً، وعندما انتهت الورشة مباشرةً صاروا يطلبون أن يأتوا في المرّات القادمة، فالطّفل لا يرتاح للتّنظير والنّصائح لذلك علينا أن نخرج منه شخصية تفكّر وتحاور وتبدع فالأشخاص الذين لا يتمتعون بالاستقلالية وحرية التّفكير والتّواصل من المؤكّد أنّهم لن يكونوا مبدعين.
وفي أرجاء المركز ذاته، أشرف رئيس تحرير مجلّة “أسامة” الشّاعر قحطان بيرقدار على ورشة مماثلة، يحدّثنا عنها بالقول: لقد كان تفاعل الأطفال رائعاً، قرأوا من قصصهم وقصائدهم، وقرأوا بعض الموادّ من مجلة “أسامة”، وأجبتهم على أسئلتهم التي طرحوها خلال الحوار الذي أجريناه، وأخبرتهم بأنّي سأنشر كلّ ما يكتبونه أو يرسمونه في المجلة، مبيناً: على الرّغم من انتشار الهواتف المحمولة بين أيدي بعض الأطفال لكنّ القراءة لا تزال حاضرة بينهم، وبالتّأكيد الأمر يحتاج إلى متابعة وترشيد من الأهل والمدرسة والمراكز الثّقافية وإقامة مزيد من الورشات والنّدوات واللقاءات التي تحثّ الأطفال على القراءة.
وبالسّؤال عن المكافأة المالية أو الدّعم المادّي الذي يتلقاه المشرف على هذه الورشات يجيب بيرقدار: في حال تمّ تكليفنا من مديرية ثقافة الطّفل في وزارة الثّقافة أو الهيئة العامّة السّورية للكتاب فأحياناً يكون هناك مقابل مادّي، لكن لم يحدث أبداً أن تلقينا مكافأة مادّية من مركز ثقافي أو مدرسة أو أي جهة أخرى تدعينا، أنا ذهبت إلى مدارس ومراكز ثقافية كثيرة وأقمت فيها أنشطة متنوّعة ولم يحدث ذلك أبداً..
ولن نتحدّث عن المشكلات التي تواجهنا ها هنا ولا عن حلولها لأنّ التّصريحات التي خصّنا فيها الأدباء المشرفون عليها تتضمّن المشكلة والحلّ معاً، من حيث ضرورة تأمين أعداد أكثر من الكتب والقصص لتوزيعها على الأطفال المشاركين في الورشات ومن حيث تقديم الدّعم المادّي أيضاً للمشرفين الذين لا يملّون من تكثيف أنشطتهم الهادفة إلى تنمية مهارات الطّفل ومداركه وبالتّالي تثقيفه وتحصينه وتحضيره لمستقبل قادم.