نتائج كارثية للغلاء “الفاحش” لمستلزمات الإنتاج
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
مهما قيل في ضعف أجهزة الرقابة وعجزها عن ضبط الأسواق والأسعار، فإن الواقع يؤكد أن عدم استقرار أسعار السلع والمواد الغذائية بمختلف مسمياتها، وبعدم توفرها بالكميات التي تمنع احتكارها سببه الوحيد هو الأسعار “الفاحشة” لمستلزمات الإنتاج سواء كانت محلية أم مستوردة.
وتُشكل المحروقات والأعلاف والأسمدة المكونات الأساسية لإنتاج السلع الغذائية، وقد ارتفعت أسعارها بقرارات رسمية عدة مرات في السنوات الأخيرة بذريعة ارتفاع سعرها العالمي والمحلي، وبوجود سوق سوداء لها تديره قلة من المستوردين المحتكرين تبيعها بأسعار تزيد كثيرا عن الأسعار الحكومية!
والمسألة لا تتوقف عند الغلاء الفاحش لمستلزمات الإنتاج فقط، وإنما بنتائجه الكارثية والتي تجسدت بطرد صغار المنتجين قسرا من السوق لعجزهم المالي عن تأمين احتياجات دورة الإنتاج القصيرة من أسمدة وأعلاف ومحروقات..الخ.
كما أن غلاء المستلزمات رفع أسعار السلع الغذائية الأساسية إلى مستويات قياسية غير مسبوقة يعجز أي عامل بأجر عن شرائها فغادر سوقها مطروداً لا تأبه بحاله أي جهة ولو كانت حكومية مثل “السورية للتجارة”!
وأمام هذا الواقع المأساوي لملايين الأسر السورية ولآلاف المنتجين الصغار نسأل: ما مستقبل الزراعة في القادم من السنوات مع تراجع الإنتاج والاستهلاك؟.
أسعار الفروج “المنفلتة”!
وإذا لم تتحرك أي جهة حكومية بعد وصول سعر أصغر فروج حي الذي كان لا يغيب عن موائد ملايين الأسر السورية يوميا تقريبا إلى 30 ألف ليرة .. فمتى ستتحرك؟، خاصة وأن الفروج سواء كان حياً أو مذبوحاً أو مشوياً كان على مدى عقود “أكلة الفقراء” فهو المقياس الفعلي لحال ملايين السوريين العاملين بأجر، وهذه الحال وصلت في الأشهر الأخيرة إلى كارثة معيشية لم يتوقع فيها أي متشائم أن يصبح الفروج المشوي والبروستد عزيز المنال يقتصر تناوله على الميسورين فقط!
صحيح أن باعة الفروج رضخوا لبيعه بالقطعة استجابة للطلب الكبير أمام العجز المالي لملايين الأسر السورية إلا أن هذه الحالة إذا استمرت فإنها ستؤثر على الحالة الغذائية للسوريين من جهة، وستؤدي إلى خروج صغار مربي الدواجن من دورة الإنتاج بأعداد أكبر فأكبر لتقتصر على من يملك رؤوس أموال كبيرة تتيح له التحكم أكثر فأكثر في السوق والأسعار!
هنا .. أليس ملفتا أن يوازي سعر شرحات الدجاج (35 ألف ليرة) مثيلتها الحمراء؟
حتى نشرة أسعار وزارة التجارة الداخلية التي لا يتقيد بها أحد بمن فيهم السورية للتجارة ليست بمتناول العاملين بأجر، فالحد الأقصى للرواتب بالكاد يشتري فروجا منظفا مرة واحدة في الأسبوع!
ما حدث إن تقارب أسعار اللحوم البيضاء مع الحمراء زاد من الإقبال على لحوم الغنم والعجل فرفع منتجوها أسعارها، وكأنّنا أمام تنافس على رفع المواد الأساسية التي كانت حتى الأمس القريب تدخل في مكونات معظم “طبخات” الأسرة اليومية!
لقد ارتفع سعر كيلوغرام سودة الفروج إلى 25 ألفاً ليوازي سعر الكيلوغرام من سودة الغنم، وارتفع سعر الكيلوغرام من الشرحات إلى 35 ألفاً وفي المولات إلى 45 ألفا مقترباً من سعر كيلوغرام هبرة الخاروف بل وأغلى من سعر كيلوغرام هبرة لحم البقر البالغ 24 ألف !
ولا يختلف الأمر مع أجزاء الفروج الأخرى فهي أيضا “فاحشة” فسعر كيلوغرام الوردة 17500 ألف ليرة والدبوس 17 ألف ليرة أي بما يقارب سعر الكيلوغرام من مسوفة العجل والبالغ 19 ألف ليرة.
أما الفروج الحي والمنظف فلم يعد في متناول الكثيرين فسعر فروج الريش يبلغ وسطيا 30 ألف ليرة بينما وصل سعر الفروج المذبوح والمنظف إلى ما بين 30 و40 ألف ليرة ، ووصل الكيلوغرام من الجناحات (نعم الجناحات) إلى 13 ألف ليرة.
وأمام الانفلات بأسعار الفروج بين منطقة وأخرى وبين محل شعبي ومول فاخر، فإن نشرات وزارة التجارة الداخلية مجرد ديكور لا يمكن للبائعين التقيد بها لأنهم يخضعون لأسعار الموزعين التي تتجاوز التسعيرة الرسمية!
وكما قلنا أن مستلزمات الإنتاج وخاصة الأعلاف وحوامل الطاقة التي ترفع اللجنة الاقتصادية أسعارها المرة تلو المرة هي سبب ارتفاع أسعار الفروج ومكوناته، ولا يمكن للمربي أن يبيع بأقل من الكلفة إلا في حالات اضطرارية تجنبا للخسائر الجسيمة، والتي لا قبل بتحملها سوى كبار المربين أما الصغار فحالهم مثل ملايين المستهلكين يضطرون لمغادرة سوق الفروج طوعا أو طردا!
أين التدخل الإيجابي؟
عندما تطرد ملايين الأسر السورية الفروج من موائدها إلا في مناسبات نادرة بفعل غلائه الفاحش، وعندما تخرج 40 % من المداجن عن العمل، نسأل: أين الدعم المقدم لقطاع الدواجن، وأين التدخل الإيجابي لوزارة التجارة الداخلية عبر صالات “السورية للتجارة” ؟
كان بإمكان وزارة التجارة الداخلية أن تشتري الفروج مباشرة من المربين وتصعقه وتخزنه لتبيعه فيما بعد في صالاتها، وبالتالي لا يخسر المربون ويبقى إلى حد ما في متناول شريحة كبيرة من الأسر السورية.
غليان الحليب والأجبان
ولا يختلف الأمر في صناعة الأجبان والألبان فكبار المنتجين والمسوقين طردوا الصغار ومحدودي الدخل من الأسواق، فلا يستطيع سوى المقتدرين تحمل تكاليف حوامل الطاقة فهذه الصناعة تحتاج إلى مولدات ومستودعات مبردة لأن منتجاتها تتعرض سريعاً للتلف، وبات مألوفا مع غليان أسعار الحليب والألبان والأجبان قيام صغار المنتجين بتغيير مهنهتم واستبدالها بأخر اقل تكلفة.
أما المستهلك فلم يعد يشتري هذه المنتجات بالكيلو وإنما بالأوقية، والنتيجة اختفاء مشتقات الحليب من موائد ملايين السوريين بفعل غليان أسعارها ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، وكان لارتفاع أسعار الأعلاف الدور الأكبر في تراجع إنتاج المادة ووصول كيلو غرام الحليب إلى3 آلاف ليرة، وكيلو الجبنة إلى 15 ألف ليرة، وهي غير مستقرة وترتفع أسبوعياً.
سماسرة الأسمدة
ومن الطبيعي أن ترتفع أسعار اللحوم ومشتقات الحليب والألبان مع ارتفاع أسعار الأسمدة والأعلاف وبيعها للمنتجين بالسعر الرائج في حال كانت متوفرة، وغالبا ما يشتريها المنتجون من السوق السوداء بأسعار سوداء لا يقدر عليها سوى الأقوياء.
ومثل المحروقات فإن ندرة الأسمدة في المصارف الزراعية أدى إلى نشاط سماسرتها في السوق السوداء، فطن اليوريا يباع بسعر 2.4 مليون في المصرف، وبأكثر من 4 ملايين في السوق السوداء ،وبالتالي يضطر المنتج إلى رفع أسعار المنتجات الزراعية.
الخلاصة
وصف تجار الجملة واقع المستهلك المزري والمتهرئ، فهو لم يعد قادرا على شراء احتياجاته الأساسية سوى بالقطعة وبالأوقية، وهذا الواقع سيزداد اهتراء إن لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة تعيد الدعم الفعلي لقطاع الزراعة وتوقف تراجع الإنتاج والاستهلاك إلى مستويات تنذر بكارثة ستلحق الخسائر المادية والصحية بملايين الأسر السورية.